شهدت العاصمة الأثيوبية «أديس أبابا» نهاية الأسبوع الماضي، انعقاد مؤتمر معني بصحة المرأة والطفل، تحت عنوان «تلبية النداء: تخطي العقبات الحرجة في الحفاظ على حياة الأمهات والأطفال»، برعاية الحكومة الهندية والحكومة الأثيوبية، وبحضور كوكبة من وزراء الصحة وواضعي السياسات في 24 دولة حول العالم، بالإضافة إلى لفيف من المؤسسات الدولية والمنظمات الخيرية النشطة في مجال الصحة الدولية، مثل مؤسسة «بيل وميلندا جيتس»، و«اليونيسيف«، وهيئة المعونة الأميركية، وغيرها من المنظمات المدنية التي ساهمت جميعها في دعم هذا المؤتمر. ويهدف هذا المؤتمر إلى الاحتفاء والإشادة بالإنجازات التي تمت حتى اليوم على صعيد صحة الأم والطفل من المنظور الدولي، وإلى مشاركة الممارسات الجيدة والفعالة، والدروس المستفادة، والتحديات التي تواجه العاملين في هذا المجال، بالإضافة إلى تحديد الخطوات المهمة والرئيسية لبلوغ «أهداف التنمية المستدامة 2030»، ضمن الاستراتيجية الدولية لتحقيق أفضل مستوى ممكن من الصحة للأمهات وللأطفال والمراهقين. ويأتي هذا المؤتمر، وهو الرابع من نوعه بعد المؤتمر الذي عقد عام 2015 في مدينة «نيودلهي»، على خلفية البيانات والإحصائيات التي تظهر أن 830 امرأة تلقى حتفها يومياً، نتيجة أسباب تتعلق بالحمل والولادة، كان من الممكن الوقاية منها وتجنب الوفيات الناتجة عنها. وتتميز هذه الوفيات بخصائص معينة، مثل أن 99 بالمئة منها يقع في الدول النامية، ومستويات أعلى بين النساء قاطنات المناطق الريفية والمجتمعات المحلية الفقيرة. وترتفع احتمالات الوفيات بين الأمهات صغيرات السن والمراهقات أثناء الحمل والولادة، مقارنة بأقرانهن الأكبر عمراً. ويشير مصطلح وفيات الأمهات، إلى وفاة المرأة أثناء مراحل الحمل، والولادة، وفترة النفاس. فحسب منظمة الصحة العالمية، تُعرف وفيات الأمهات على أنها «الوفاة التي تحدث لامرأة أثناء حملها، أو خلال 42 يوماً بعد انتهاء الحمل، بغض النظر عن فترة أو مكان الحمل، أو وفاتها لأي سبب ناتج عن الحمل ذاته، أو من جراء تفاقم سبب آخر مرتبط بالحمل، أو نتيجة العناية الطبية التي تتلقاها المرأة أثناءه، مع استثناء الوفيات الناتجة عن الحوادث وعن الأسباب العرضية». ورغم أن وفيات الأمهات بين عامي 1990 و2015 قد انخفضت بمقدار 44 بالمئة –النصف تقريباً- فإن عدد الوفيات اليومي -830 وفاة- والذي يترجم إلى أكثر من 30 ألف وفاة سنوياً، لا يزال رقماً غير مقبول بالمرة، وهو ما جعل من أهداف التنمية المستدامة المرجو تحقيقها بين عامي 2016 و2030، خفض وفيات الأمهات إلى أقل من 70 وفاة من بين كل 100 ألف ولادة لطفل حي. وتنقسم أسباب الوفيات بين الأمهات إلى قسمين رئيسين: أسباب طبية، وأسباب اجتماعية واقتصادية تفاقم من وقع وتأثير الأسباب الطبية. ويحتل رأس قائمة الأسباب الطبية، النزيف الحاد وبنسبة 25 في المئة، تليه العدوى بنسبة 13 في المئة، ثم تسمم الحمل بنسبة 12 في المئة، ثم تعسر الولادة بنسبة 8 في المئة. وبنظرة سريعة إلى هذه القائمة، نجد أن علاج جميع أسبابها متوفر للطب الحديث منذ عقود طويلة، فالنزيف الحاد يمكن علاجه بنقل الدم، وتستطيع المضادات الحيوية علاج غالبية حالات العدوى، أما تعسر الولادة فيمكن علاجه بالولادات القيصرية. ولذا على رغم أن الأسباب الطبية تعتبر هي نفسها بين جميع النساء، في جميع مناطق العالم، ولكن بسبب اختلاف الظروف الاجتماعية والاقتصادية، تنجو منها أمهات الدول الغنية، لتحصد نفس هذه الأسباب أرواح أعداد كبيرة من الأمهات في الدول النامية والفقيرة. ومن بين الأسباب الاقتصادية أو الاجتماعية التي تؤدي إلى وفيات الأمهات، يعتبر من أهمها نقص القابلات أو«الدايات»، حيث يعتبر النقص الحاد في عدد القابلات في 73 دولة حول العالم، سبباً رئيساً في وفاة الملايين من النساء الحوامل والأمهات الجدد، وفي وفاة أطفالهن حديثي الولادة والرضع، حسب تقرير صدر قبل بضعة أعوام عن صندوق الأمم المتحدة للسكان، بالتعاون مع الاتحاد الدولي للقابلات، ومنظمة الصحة العالمية. وفي ظل التقديرات بأن 80 مليون امرأة يحملن، ويضعن، ويرضعن، سنوياً، سيتطلب جميع هؤلاء النسوة رعاية صحية خاصة، أثناء الحمل، وخلال الولادة، وبعد الوضع. هذه النوعية من الرعاية، لا تزال تعتمد بشكل رئيس -حتى في الدول الغنية والمتقدمة- على القابلة أو«الداية»، فعلى رغم أهمية دور الطبيب، فإنه لا يزال يعتبر دوراً ثانوياً بالنسبة لدور القابلة، باستثناء الحالات التي تترافق بمضاعفات خاصة.