مرة أخرى، يضرب الإرهاب مدينة أوروبية، حيث تعرض شارع لاس رامبلاس في برشلونة، المركز السياحي والتجاري والاحتفالي العالمي، لهجوم إرهابي قاتل. ومرة أخرى يصاب الجمهور بالصدمة، وينخرط الإعلام والمسؤولون السياسيون في تقديم التعليقات والاستفهامات، حيث أصبح الإرهاب بالفعل في صلب اهتمامات وانشغالات المواطنين الغربيين ومسؤوليهم السياسيين ووسائل الإعلام. بيد أنه لا ينبغي أن ننسى هنا أن الإرهاب ضرب أيضاً في أماكن أخرى وبطريقة أكثر دموية، وإنْ كانت وسائل الإعلام الغربية تتحدث عنه بشكل أقل، كما لا ينبغي أن نستخلص من هذا الخلاصات الخاطئة. فإذا كانت الهجمات تُرتكب من قبل أفراد يدّعون انتماءهم للإسلام، فإن جمهور المسلمين ليسوا مسؤولين عنها، تماماً مثلما أن جمهور الغربيين ليسوا مذنبين وليسوا مسؤولين عن أفعال جماعة «كيو كلاكس كلان» العنصرية أو أفعال الإرهابي النرويجي اليميني المتطرف أنديرس بريفيك. وعلينا ألا ننسى أن المسلمين الذين يعيشون في أوروبا كانوا أيضاً جزءاً من الضحايا المباشرين لهذه الهجمات؛ فهدف تنظيم «داعش» هو أن يُظهر للمسلمين أن لا مكان لهم داخل البلدان الغربية. ولهذا، فإن تحميلهم عبء المسؤولية الجماعية، مثلما يفعل البعضُ، إنما يعني السقوط في الفخ الذي ينصبه لنا التنظيمُ الإرهابي. في فرنسا، حدث مؤخراً وفي مرات سابقة أن قام بعض الأفراد بمهاجمة قوات الأمن أو حاولوا دهس راجلين بوساطة مركباتهم. لكن اتضح لاحقاً أن هؤلاء ليست لديهم أي مطالب سياسية أو دينية: فقد كانوا مجرد مختلين عقلياً يحاولون محاكاة ما يرونه على التلفزيون أو الحاسوب ويسمعونه على المذياع ويقرؤونه في الصحف. ولعل هذا ما يفسّر رغبة وزير الداخلية الفرنسي جيرار كولومب في الاعتماد على المختصين النفسيين ضمن جهود مكافحة الإرهاب. إنه شكل مأساوي لمسؤولية وسائل الإعلام والمعلّقين! ويتعين القيام بتفكير جماعي! بيد أنه ربما من المناسب التساؤل هنا حول ما إن كانت ثمة مبالغة في الأهمية التي تولى للإرهاب؟ فمنذ 1962، أشار عالمُ السياسة الفرنسي ريمون آرون إلى أن التأثير الإعلامي للإرهاب أكبر وأقوى من تأثيره الاستراتيجي. ويمكننا القول هنا باطمئنان إن هذا صحيح اليوم أكثر من أي وقت مضى مع تطور وانتشار وسائل الإعلام والقنوات الإخبارية المستمرة. غير أنه من فرط الحديث عن الإرهاب، يمكن ارتكاب ثلاثة أخطاء: منح الإرهابيين نصراً رمزياً مهماً عبر تكفلنا بالتواصل نيابة عنهم، وخلق جو من الخوف والقلق عند الناس، وإثارة ميولات جديدة عند المختلين نفسياً الباحثين عن «مجد» ما أو الذين لم يستطيعوا إعطاء حياتهم معنى ويريدون إعطاءه لموتهم. وقد أشار المسؤول عن أجهزة الأمن السويدية أنديرز ثورنبرج إلى «الوضع العادي الجديد» الذي ينبغي التعود عليه. فالهجمات باتت من الآن فصاعداً جزءاً من المشهد اليومي. غير أنه إذا كان يتعين الاعتراف بهذا التهديد، فلا بد من إدراك أنه ليس تهديداً وجودياً. فـ«داعش» يستطيع الضرب والقتل، لكنه لا يستطيع السيطرة على مجتمعاتنا، وإن مثّل تهديداً أمنياً. ورغم فظاعة الهجمات الإرهابية، فإنها لا تتسبب في عدد أكبر من القتلى مقارنة بالحوادث المرورية أو الاستهلاك المفرط للمشروبات الكحولية أو السجائر.. فهذه المخاطر وإنْ لم تكن ذات دوافع سياسية، فإنها تتسبب في أضرار أكثر فداحة بكثير، دون أن تثير فينا تعبئة مماثلة. وفي ما يتعلق بالإرهاب، لا وجود لـ«صفر خطر». والمؤكد أن علينا التحوط وتوخي الحذر واليقظة من أجل حماية أنفسنا، لكن علينا أيضاً أن نتحاشى القيام بأعمال من شأنها تغذية الظاهرة بدعوى محاربتها، على غرار ما حدث في حرب العراق والتدخل العسكري في ليبيا. بيد أن الحذر واليقظة لا يعنيان الاستسلام للخوف أو تغيير نمط حياتنا عبر الإقلاع، مثلا، عن التجول في المدينة، أو الجلوس في المقاهي والمطاعم، أو حضور الحفلات الموسيقية أو مباريات كرة القدم. والحق أن رد فعل سكان برشلونة كان رائعاً بالنظر لما حمله من معاني الشجاعة والكرامة. فرغم تأثرهم البالغ، فإنهم استأنفوا نمط حياتهم العادي بسرعة، بموازاة مع اتخاذ الإجراءات الأمنية اللازمة. وهو ما أحسنت عمدة المدينة «أدا كولو» التعبير عنه على نحو بليغ وجميل حين قالت: «إن الإرهاب لن يفلح في تغيير من نكون: مدينة منفتحة على العالم ومفعمة بالشجاعة ومشاعر التضامن».