الحديث حول دور المرأة في أي مجتمع في العالم، يعد واحداً من القضايا دائمة الحضور على الساحات الإعلامية والأكاديمية وحتى بين الناس العاديين. وغالباً ما يحظى هذا الحديث باهتمام كبير عندما يرتبط بالمناسبات الوطنية والدولية، مثل اليوم العالمي للمرأة أو يوم المرأة الإماراتية الذي احتفلنا به منذ يومين، حيث تكون تلك المناسبات فرصة لطرح الآراء المختلفة، وهي حالة صحية، حول الدور الاجتماعي والسياسي والاقتصادي للمرأة، كما توضح «النظرية النسوية» التي تحاول إيجاد مقاربات وأساليب لإعطاء المرأة حقها في المجتمع. الثقافة السائدة في العالم تشير إلى أن المجتمعات الشرقية، الآسيوية والعربية، ومجتمعات أميركا اللاتينية عادة ما تميل إلى التقليل من دور المرأة في الأنشطة المجتمعية، والسبب سيطرة الذكورية، مع الاعتقاد بأن المجتمعات الغربية قد تجاوزت هذه الإشكالية من خلال مساواة الرجل بالمرأة في كثير من تفاصيل الحياة، مثل المساواة في الرواتب. إلا أنه في الواقع، وحسب ما تنشره التقارير الدولية، فإن المرأة في المجتمعات الشرقية تعد رقماً ذا أهمية في تنمية المجتمعات، وإن كانت المسألة نسبية بين دول الشرق. وانطلاقاً من الواقع الميداني، فإن التجارب التنموية أثبتت أن المرأة الآسيوية عامة، وخاصة الهندية والصينية والماليزية، أدت دوراً مهماً في النهوض بمجتمعاتها، وصار لها دور مؤثر وحقيقي. ففي الهند مثلاً ساهمت في تسجل بلادها ضمن الدول الاقتصادية الكبرى بعدما دخلت قائمة القوى الصناعية المنتجة، بفضل الاهتمام بالتعليم والتدريب. كما حصلت المرأة الصينية على الدعم من حكومتها لتساهم في تحسين دخل الأسرة الصينية، بل صارت تجوب العالم باعتبارها «امرأة أعمال». وهناك علاقة مثبتة علمياً بين تمكين المرأة والتنمية الاجتماعية والاقتصادية، وقد انطلق من هذه القناعة مؤسس «بنك الفقراء»، الدكتور محمد يونس، في بلاده بنجلاديش، حيث تقوم الفكرة على دعم المرأة لتنمية دخل الأسرة. وقد حقق يونس نجاحاً مشهوداً في مشروعه الذي كان سبباً في حصوله على جائزة نوبل للاقتصاد. ولا شك أن إبعاد المرأة عن المشاركة في المجالات المختلفة يعد سبباً في خسارة المجتمعات الكثير من النقاط الإيجابية، لهذا تجدها اليوم في كل المجالات، بما فيها تلك التي كانت حكراً على الرجال، مثل المجالات العسكرية والأمنية، لأن التحديات التي تواجه المجتمعات تؤكد ضرورة مشاركة كل شرائح المجتمع. فالمؤشرات التنموية التي تصدرها المنظمات الإقليمية والدولية توضح أن وجود المرأة في سوق العمل عاد بنتائج أفضل على المستوى الوطني والأسري، وأن تمكين المرأة تعليمياً وصحياً سبب رئيسي لوجود مجتمع قوي في مواجهة التحديات (مثل الأمية والفقر والمرض)، وبالتالي قادر على مكافحة الإرهاب والتطرف. ولو نظرنا إلى المرأة العربية حالياً في ظل الحراك النسوي العالمي، لرأينا أن الأمر تعدى بمراحل مسألة التركيز على إلغاء أميتها التعليمية أو توظيفها في عمل معين، كونها الآن حاضرة حتى في العمليات العسكرية الميدانية، بل إن تركيز الحكومات العربية اليوم منصب على وجودها في أعلى المناصب السيادية، خاصة بعدما أثبتت وجودها في العديد من المواقع، وباتت نتائج عملها مشرفة لمجتمعاتها بعدما تحملت مسؤولية وطنها في القرارات الكبرى. فمثلا، خاطب الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، مؤخراً، المرأة المصرية كي تعمل على ترشيد الاستهلاك المنزلي في مواجهة ارتفاع الأسعار، إيماناً منه بأنها الأقدر على إدارة الدفة العائلية التي تصب في مصلحة الوطن. الفكرة أن الدول مهما امتلكت من الإمكانيات والطاقات لا يمكن أن تحقق نهضتها التنموية بالمفهوم الشامل أو تسجل تقدمها الحضاري ونصفها الثاني معطل لأي سبب كان، وعلى مر التاريخ الإنساني كانت المرأة حاضرة إلى جانب الرجل في تحقيق نجاحات. وإذا ما تراجع مجتمع في مجال ما فعليك أن تفتش عن دور المرأة فيه، فهي عنصر أساسي، ولهذا نجد دورها المتصاعد في الدول الآسيوية التي باتت تحقق نجاحات تنموية. هناك تقدم كبير في نسبة تمثيل المرأة في مراكز صنع القرار في العالم ككل، وسيكون لها دور أكثر فاعلية خلال المراحل القليلة القادمة. لذلك فإن يوم «المرأة الإماراتية» الذي يوافق الثامن والعشرين من شهر أغسطس من كل عام هو أحد الأيام الملهمة في دولة الإمارات العربية المتحدة، إذ يتم فيه استذكار كل الإنجازات التي قدمتها المرأة الإماراتية في سائر ميادين الحياة، وهي إنجازات باتت ملء السمع والبصر، حتى باتت المرأة الإماراتية مضرب المثل، ليس في المنطقة فحسب، بل على الصعيد العالمي أيضاً.