في عام 571 م حاول أبرهة الحبشي أن يغزو بيت الله الحرام لهدم الكعبة التي يحج إليها البشر من كل أصقاع الأرض، وكانت آنذاك له دوافعه الكثيرة في ذلك كسعيه لإرضاء القوى الأجنبية والتقرب منها، وغيرها من الدوافع السياسية الأخرى للسيطرة على بلاد الحجاز، وتحويل قبلة العرب إلى كنيسته الشهيرة لتكون مصدراً للقرار في المنطقة، هذا فضلاً عن الدافع الاقتصادي الذي سيجعل البشر يتوافدون إليها بسلعهم وبضائعهم، ليحقق بظلمه ذلك الازدهار الاقتصادي الذي كان يتوهمه! وكذلك الدافع الديني لضرب القبائل العربية في معتقدها وصرفها عن دينها. إلا إن الله أذاق أصحاب الفيل العذاب وجعل جيشهم كالعصف المأكول كما ورد في الآيات الكريمة. ومحاولات ومطامع استهداف بيت الله الحرام الأخرى سجلها التاريخ في عدة مواقف على مر الأزمنة كعدوان القرامطة وغيرهم على البيت الحرام والحجاج. وجميعهم كانت لديهم مطامع لتقويض أمن هذه المنطقة، مهد الحضارات ومهبط الرسالات. ولعل «أبرهة» الزمن الحاضر هذا لم يكن حبشياً وإنما هو قطري، أراد أن يهدم البيت العربي كاملاً لأهداف ودوافع تكاد تتشابه مع أهداف أبرهة الحبشي الرامية لإضعاف العرب وكسر شوكتهم لمصلحة القوى الخارجية، غير أن أبرهة القطري استغل منطقة القرن الأفريقي، ومناطق أخرى من القارة السمراء، لتحقيق مآربه متغلغلاً في بعض تلك الدول التي يفتك بها الجوع والفقر متقصداً شبابها بهدف دفعهم للانضمام في صفوف الجماعات الإرهابية، والتأثير على الدول المجاورة بضربها بأعمال الإرهاب تارة والنفخ في كير الفتن ونشر الفوضى تارة أخرى. والسؤال الآن: ما الذي يجعل دولة مثل تشاد تستشيط غيظاً وتطرد البعثة الدبلوماسية القطرية من أرضها؟ وما السر في الاهتمام القطري بالتدخل في شؤون دول في القارة الأفريقية، وخاصة تشاد؟ على رغم أن المسافة بين الدولتين تزيد على أكثر من 3500 كيلومتر، والجمهورية التشادية ليست لها إطلالة بحرية، وقد لا يكون لديها من دواعي الجذب ما يهم قطر إلى هذه الدرجة! غير أن قطر وجدت ضالتها في منطقة الساحل الأفريقية، بصفة عامة، وسعت لجعل بعض مناطقها بيئة خصبة للإيواء والاستثمار في الإرهاب، ومن ثم جعل تلك المناطق رأس جسر لضرب استقرار دول الشمال الأفريقي في الوقت أو الفرصة التي تجدها قطر ملائمة ومتناسبة مع سياساتها التخريبية، وسعت لتسخير الطاقات البشرية الأفريقية، وخاصة في صفوف الفقراء وفاقدي الأمل والعمل، كمليشيات إرهابية وجماعات متطرفة تنفذ الأجندات القطرية لمهاجمة الدول الأفريقية في منطقة الساحل نفسها، ودول شمال القارة مثل مصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب أيضاً، وجميع الدول التي تطل بسواحلها على ضفتي المتوسط، فالجماعات الإرهابية المدعومة قطرياً كانت بمثابة الوحش الذي يهاجم الليبيين من الجنوب كلما سعوا إلى استعادة الاستقرار وتوصلوا إلى اتفاق فيما بينهم، بما لا يتناسب مع السياسة القطرية، حيث يجدون الجماعات الإرهابية تهاجم بلدهم، وتمزق أوصالهم، وتسعى لتفريق كلمتهم، وهذا ما وقع أيضاً في دول أخرى استهدفها المخطط القطري، لكي تصير تلك الشعوب جماعات متناحرة تدار بالأموال القطرية وبالأفكار الإرهابية. وفي القرن الأفريقي، وبقية القارة السمراء، لعبت قطر أدواراً أكبر بكثير من حجمها، فتدخلت في شؤون جميع الدول تحت مظلة الأعمال «الخيرية» الإرهابية، وأنفقت عشرات ملايين الدولارات على شكل مساعدات لذر الرماد في العيون، ولكن تبين مع مرور الوقت أن تلك الأموال تذهب جميعاً للجماعات الإرهابية. وليس سراً أيضاً أن «أبرهة القطري» سعى لدعم جماعات انفصالية متمردة ومنحها مبالغ مالية لاحتلال أجزاء من أراضي تلك الدول الأفريقية، تقويضاً للاستقرار، وضرباً للأمن، بما يضمن إبقاء شرور الأجندة القطرية في المنطقة، من تهريب رؤوس الأموال لدعم الجماعات الإرهابية بالسلاح، وتشكيل قوى إرهابية متوائمة مع السلوك القطري، وتلعب دور الوكيل الحصري لأجندة التخريب القطرية، كما أن قطر تستخدم أيضاً جماعات إرهابية في جمهورية مالي خاصة لتمكينها من السيطرة على بعض حقول الغاز في المنطقة. من بين المستفيدين من هذا الدعم القطري للإرهاب، على وجه التحديد، حركة «التوحيد والجهاد» المتطرفة في غرب أفريقيا، التي تعتمد أيضاً في مصادر تمويلها على تجارة المخدرات والسلاح والاختطاف. وممن استفاد من هذا الدعم القطري كذلك: متمردو «حركة تحرير أزواد» وحركة «أنصار الدين»، و«تنظيم القاعدة ببلاد المغرب»، الذي يتلقى مساعدات مالية كبيرة من قطر. وعلى رغم كثرة القرائن والأدلة على دعم قطر للإهاب هناك، فإنها لم تفهم الدرس بعد، ولم تستوعب حتى الآن أن ما راهنت عليه مآله الفشل الذريع، والطريق الذي تسير عليه ينتهي بها إلى هاوية سحيقة لا تستطيع الخروج منها، ونهاية كل هذه المغامرات في نشر الإرهاب والخراب وخيمة على أمن واستقرار قطر والقطريين.