في بداية الأسبوع الماضي، أصدر صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، مرسوماً بقانون اتحادي، رقم 7 لسنة 2017، بشأن الضريبة الانتقائية، والذي تسري أحكامه على السلع التي يصدر بها قرار من مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير المالية. وحسب ما نقلته وسائل الإعلام المحلية خلال الأيام الماضية، ستشمل قائمة تلك السلع الانتقائية التبغ ومشروبات الطاقة بنسبة 100%، والمشروبات الغازية بنسبة 50%، على أن يبدأ التطبيق في أول أكتوبر القادم حسب ما أعلنته وزارة المالية. وبإصدار هذا المرسوم تكون دولة الإمارات قد قطعت خطوات ملموسة، وحققت إنجازات كبيرة على صعيد السعي إلى إيجاد بيئة تشريعية وقانونية، تكون داعماً رئيسياً لجهود الدولة في تطبيق نظام ضريبي وفق أرقى وأفضل الممارسات العالمية، وتسهم في تعزيز جهود تنويع الدخل لرفد الاقتصاد بمصادر دخل تدعم الرؤية المستقبلية للقيادة الرشيدة في بناء اقتصاد أكثر تنوعاً واستدامة، حسب ما صرح به سمو الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم نائب حاكم دبي وزير المالية رئيس مجلس إدارة الهيئة الاتحادية للضرائب. وزيادة على العائد الاقتصادي، يوفر فرض الضرائب الانتقائية على السلع الضارة بصحة الإنسان مثل التبغ، الكثير من الأموال التي يتم إنفاقها على الرعاية الصحية، وهو ما من شأنه أن يعيد توجيه المصادر المالية التي كانت تستهلك في علاج الأمراض الناتجة عن تلك السلع إلى قضايا صحية أخرى، وهو ما ينطبق أيضاً، إلى حد كبير، على القطاع الخاص والأعمال، فمع ارتفاع أسعار تلك المنتجات غير الصحية بسبب الضريبة الانتقائية، تتراجع معدلات استهلاكها، وتنخفض بالتالي معدلات انتشار الأمراض الناتجة عنها، وهو ما من شأنه أن يخفض أسعار وثائق التأمين الصحي على العاملين بالقطاع الخاص، ويقلل من نفقات الأعمال ويزيد من أرباح الشركات. ومثل هذا التأثير للضريبة الانتقائية على الرعاية الصحية كان قد تجسد قبل عامين في شكل مطالبة نقابة أو جمعية الأطباء البريطانيين، بفرض ضريبة قيمة مضافة بمقدار 20 في المئة على هذه النوعية من المشروبات، وتأتي مطالبة النقابة البريطانية، التي تعد واحدة من أقدم المؤسسات الطبية في العالم، وتضم في عضويتها حالياً أكثر من 150 ألف طبيب، انطلاقاً من التقديرات التي تظهر أن 70 ألف شخص يلقون حتفهم سنوياً، في بريطانيا وحدها، بسبب الغذاء غير الصحي. وكانت هذه التوصية، وتلك التقديرات، ضمن تقرير موسع أصدرته الجمعية البريطانية نتيجة القلق المتزايد بين أعضاء المجتمع الطبي حول التأثيرات الصحية السلبية المتنوعة للإفراط في استهلاك ما يعرف بالسكريات البسيطة، بداية من تسوس الأسنان، مروراً بزيادة الوزن والسمنة، ونهاية برفع احتمالات الإصابة بداء السكري من النوع الثاني. وجدير بالذكر أن تقرير الجمعية الطبية البريطانية، يدعم طرحاً كان قد قدم سابقاً، ويدور حول استغلال عائد الضرائب الإضافية على المشروبات الغذائية لدعم أسعار الأغذية الصحية مثل الخضراوات والفواكه، مما سيخلق بيئة يتم فيها اختيار الأغذية الصحية بشكل تلقائي. ولكن أمام حقيقة أن زيادة الوزن والسمنة مشكلة متعددة الجوانب تنتج من عوامل عدة مثل قلة النشاط البدني وممارسة الرياضة، مع تناول كميات كبيرة من السعرات الحرارية، من سكر المشروبات الغازية وغيرها من الأطعمة مرتفعة المحتوى من السعرات الحرارية، لا يمكن الاعتماد على ضريبة المشروبات الغازية فقط كحل سحري، للقضاء على المشكلة برمتها. وإذا ما انتقلنا للتدخين ومنتجات التبغ، فحدث ولا حرج، حيث يمكن ببساطة إدراك فداحة الوباء العالمي الحالي من التدخين من خلال بعض الحقائق الأساسية والبسيطة، مثل: 1- التدخين يقتل نصف مستخدميه، بشكل مباشر أو غير مباشر. 2- يتسبب التدخين في وفاة 6 ملايين شخص سنوياً. 3- إذا لم تتخذ تدابير كافية لمكافحة التدخين، فسيرتفع العدد السنوي لقتلى التبغ إلى 8 ملايين بحلول عام 2030. 4- عاماً بعد آخر يتزايد حالياً حجم الاستهلاك العالمي السنوي من التبغ. ومما يزيد الطين بلة، حقيقة أن 80 في المئة من المدخنين -البالغ عددهم مليار شخص حالياً- يعيشون في الدول الفقيرة، والدول متوسطة الدخل، حيث تنخفض معدلات الرعاية الصحية للأمراض الناتجة عن استخدام التبغ، ويصعب إيصال رسائل التثقيف الصحي بشكل فعال، وحتى في الدول الصناعية والغنية، أصبحت الأمراض والعلل الناتجة عن استخدام منتجات التبغ تثقل ميزانيات الرعاية الصحية في تلك الدول، وتصرف المصادر المالية المتاحة بعيداً عن القضايا الصحية التي تؤرق مجتمعاتها، وخصوصاً الأمراض المزمنة غير المعدية مثل أمراض القلب والشرايين، والأمراض السرطانية، التي يعتبر التدخين من الأساس من أهم عوامل الخطر المؤدية للإصابة بها.