لسنا وحدنا في الخليج نعاني من مشكلات استقدام خادمات المنازل الآسيويات سواء لجهة صعوبة تكيفهن مع بيئات العمل أو المطالبة بحقوقهن أو الهروب من الكفيل أو الاقدام أحياناً على ارتكاب جرائم ومخالفات، وغيرها من المشكلات التي كثيراً ما تأزمت على هامشها العلاقات البينية بين دول المصدر ودول الاستقبال. مثل هذه المشكلات بدأت منذ فترة تطل برأسها أيضاً في سنغافورة وهونج كونج وماليزيا وتايوان وبروناي. فبسبب ارتفاع الدخول ومستويات المعيشة في هذه الدول نشأت وتفاقمت ظاهرة استقدام خادمات المنازل بأعداد كبيرة، ولاسيما من الفلبين وإندونيسيا. وعلى سبيل المثال ارتفع أعدادهن في هونج كونج من 70 ألفاً في 1990 إلى أكثر من 319 ألف خادمة في 2014، (أي 4.5% من عدد السكان)، علما بأن الرقم الموازي في ماليزيا هو 253 ألفاً، وفي سنغافورة هو 211 ألفاً، وفي تايوان هو 209 آلاف. والمعروف أن الفلبين وإندونيسيا شجعتا مواطناتهما الراغبات في العمل في الخدمة المنزلية على السفر إلى الخارج، طمعاً في تحويلاتهن المالية، وأيضاً تخفيفاً للبطالة والضغط على البنية التحية المحلية المتهالكة. وتشير الدراسات المنشورة أن الفلبينيات والإندونيسيات يفضلن بصفة عامة العمل في الدول الآسيوية الواقعة في نطاق بلدهما الأم لأسباب كثيرة مثل: القرب الجغرافي الذي يساعدهن على التواصل مع عائلتهن بصورة أسهل؛ أجور العمل الشهرية المرتفعة المعمول بها في دول مثل تايوان وسنغافورة وهونج كونج؛ الحريات الاجتماعية السائدة في دول الاستقبال هذه مقارنة بما هو سائد في مجتمعات الشرق الأوسط المحافظة. وربما لهذا السبب نجد أن نسبة الخادمات الفلبينيات في هونج كونج هي 51.4% من الإجمالي، تليهن الخادمات الإندونيسيات بنسبة 46.3%، والبقية من تايلاند وسريلانكا وماليزيا. في دراسة منشورة في موقع كوكونتس www.coconuts.com، نجد المزيد من التفاصيل عن هذه الظاهرة التي باتت تقلق السلطات في هونج كونج والصين، بل ألقت بظلالها السلبية على العلاقات الإندونيسية ــ الصينية مما حدا بالرئيس الإندونيسي «جوكو ويدودو» إلى إيقاف عملية تزويد هونج كونج بالخادمات. فمثلاً تحمـّـل جاكرتا حكومة هونج كونج ومواطنيها امتهان كرامة الإندونيسيات العاملات هناك والإساءة إليهن، بدليل أن 82% منهم أدلين باعترافات حول تعرضهن للتعذيب والاضطهاد والتحرش اللفظي أو الجنسي أثناء العمل. صحيح أن العاملات في هونج كونج يحصلن شهرياً على ما يوازي 520 دولاراً أميركياً، وهو مبلغ أكثر مما يحصلن عليه في بلدان الشرق الأوسط، لكنهن في المقابل يجبرن على الإقامة في المطبخ أو دورة المياه، ويفرض عليهن العمل لساعات طويلة تصل إلى 16 ساعة في اليوم، ويجبرن على أداء مهمات شاقة مثل تنظيف نوافذ الشقق في ناطحات السحاب من دون توفير أدنى معايير السلامة مما تسبب في سقوط ووفاة بعضهن، ولا يعطين حاجتهن الكافية من الطعام، ويعاملن معاملة العبيد. أما بكين، فإنها علاوة على الصداع الذي تتسبب فيه الخادمات الإندونيسيات لإدارتها التنفيذية في هونج كونج، باتت تخشى من مسألة أخرى طارئة وهي احتمال لجوء تنظيم «داعش» الإرهابي إلى تجنيد هؤلاء العاملات المنزليات لمصلحة مخططاته الإرهابية من خلال جذبهن إلى الفكر المتشدد، خصوصاً في ظل انتشار أحدث وسائل التواصل الاجتماعي وشبكاتها في هونج كونج مما يعني سهولة غسل أدمغتهن بواسطة شبان يعدهن بالزواج والحياة الأفضل. والخشية الصينية هذه لم تأت من فراغ، وإنما من وحي معلومات صدرت مؤخراً عن معهد يقع مقره في جاكرتا هو «معهد التحليل السياسي للنزاعات»، حيث أفادت هذه المعلومات أن خلية صغيرة مكونة من نحو 50 عاملة منزلية أندونيسية تعمل وتقيم في هونغ كونغ، بدأت بالفعل نشاطها في تلقين الأفكار الجهادية المتطرفة للمزيد من النساء، وأن هذه الخلية تأثرت بأفكار بعض الدعاة الإندونيسيين والباكستانيين المتشددين الذين يتسللون إلى المراكز الإسلامية في المستعمرة البريطانية السابقة. وتحت وطأة زيادة الطلب على الخادمات المنزليات من جهة، والنقص في أعدادهن بسبب الحظر الإندونيسي من جهة، لم تجد حكومة هونج كونج حلا ًسوى اللجوء إلى الاستقدام من كمبوديا، الدولة الفقيرة التي وقعت معها مؤخراً اتفاقية بهذا الخصوص تقتضي بإرسال نحو ألف عاملة منزلية بأجور شهرية تصل إلى 155 دولاراً أميركياً لكل منهن، وذلك على سبيل التجربة بعد تأهيلهن من خلال دورات في الطبخ والتنظيف والاستقبال وتعلم الصينية «الكنتونية المحكية» في هونج كونج. غير أن مراقبين محليين كثر بدوا غير متفائلين بنجاح هذه التجربة، لأسباب كثيرة في مقدمتها عائق اللغة، حيث إن الكمبوديات لا يتحدثن الانجليزية، ومن المحال أن يتمكن من إجادة الصينية الكنتونية خلال ثلاثة أشهر وهي مدة دورة التأهيل، وبالتالي ينتظرهن المشكلات نفسها التي تعاني منها نظيراتهن الفلبينيات والإندونيسيات وغيرهن. وإذا ما بلغت هذه المشاكل مسامع سلطات "بنوم بنه، فإنها حتماً ستتخذ إجراءات مشابهة لما اتخذته في 2011 يوم أن علمت بإساءة أرباب العمل لمواطناتها العاملات في سنغافورة وماليزيا، فمنعت سفرهن إلى هاتين الدولتين. وعليه يمكن القول إن هونج كونج مقبلة على وضع مشابه لما حدث لها في 2014 حينما قررت بتشجيع من بكين أن تستعين بعاملات منزليات من بورما صاحبة العلاقات التحالفية المتميزة مع الصين، حيث استقدمت السلطات في هونج كونج نحو 90 عاملة منزلية على سبيل التجربة ضمن مخطط لجلب 2000 منهن تدريجياً، لكن سرعان ما عدن إلى بلادهن شاكيات من المعاملة التعسفية وهضم الحقوق والتحرش الجنسي وصعوبة التأقلم، واستحالة التفاهم مع رب العمل الأمر الذي قررت معه حكومة رانجون منع سفر مواطناتها للعمل خارج البلاد كخادمات منزليات.