متى يحل زمان في الثقافة والفنون العربية، يكون فيه دخل الكاتب والأديب والفنان والمبدع والمؤلف، يضاهي دخل الكاتب والروائي والفنان الأوروبي والأميركي و«العالمي»؟ متى نرى العديد من أدبائنا يطبع من كتابه ملايين النسخ، بدلاً من الألف أو الخمسة آلاف نسخة، ومتى يتجاوز دخله «ملايين الدولارات» من رواية أو كتاب أو لوحة، وتتوالى أعماله وتتراكم ثروته عاماً بعد عام؟ يقال إن الناس لم تعد تقرأ ولم تعد تكترث بغير «ثقافة النقال» ووسائل الثقافة الإلكترونية السريعة والمختصرة.. ولكن لا دليل على هذا في دول الغرب الأشد منا إقبالاً على وسائل الاتصال الاجتماعية وال Social Media! الأميركية «كارين هيلر» تقول في إحدى مقالاتها: «على عكس ما تخبرنا به التقارير السابقة، القراءة لم تختف من الوجود، بل هي أبعد ما تكون عن ذلك، فالكاتب البرازيلي «باولو كويلو» له عدد كبير من القراء، وأدرجت أشهر كتبته، وهي «الخيميائي»، التي تروي قصة راعي غنم شاب من الأندلس يشرع في تنفيذ مهمة شخصية يقضي فيها ثمانية أعوام، وهي مدة فترتين رئاسيتين، على قوائم الكتب الأكثر مبيعاً، كذلك تمت ترجمة الكتاب إلى 81 لغة. مع ذلك ليس «الخيميائي» سوى أحد أعمال «كويلو»، التي يربو عددها على الثلاثين. وصدر كتابه «الجاسوس» في شهر نوفمبر الماضي، وبلغ عدد النسخ المبيعة منه 350 مليون نسخة تقريباً. الكتب إذن هذه الأعمال الزاخرة بالكلمات، التي كان من المتوقع أن يتخلى عنها الناس منذ فترة طويلة تحت تأثير المقاطع المصورة، والمدونات والنشرات الصوتية، لا تزال تجد قراء، وبالملايين»، «الشرق الأوسط: 02-01-2017». وليس «كويلو» وحده في هذا المجال، تضيف مقالة الكاتبة هيلر، فهناك كذلك أعمال «ستيفن كينج» وروايات الرعب، والتي تزيد على الخمسين مؤلفاً وقد طبع ونشر منها 350 مليون نسخة، كما طبع من «شفرة دافنشي» لدان براون 80 مليون نسخة.. وهكذا كيف تصبح كاتباً ناجحاً جداً مثل هؤلاء، تتساءل «هيلر». لا يكفي أن تكتب عملاً ناجحاً واحداً، بل لا بد أن تنشر «بانتظام يشبه عمل الساعة السويسرية، أي مرة أو مرتين سنوياً، بل وشهرياً». الكتابة فيما يبدو قد تحولت هناك، كما يفهم من مقال «هيلر»، إلى عمل جماعي لا يتوقف حتى بموت المؤلف، إذ أن هناك «فريقاً من الكتاب» يعملون معه، وهناك سلسلة أعمال «روبرت ليدليم» الذي لا تزال سلسلة أعماله «بورن» وغيرها من الكتب تنشر لفترة طويلة بعد وفاته عام 2001.. «بفضل المؤلفين الذين يكتبون باسمه». من المشكوك فيه طبعاً أن يكتب الخلود لكل هذه الأعمال التي تتحدث عنها الكاتبة «هيلر»، وقد لا تحمل سمات الأدب الكلاسيكي، أو تقترب من «البؤساء» و«الحرب والسلام».. و«قصة مدينتين». ولكنها من جانب ثان قصص رائعة متقنة الحبك مليئة بالإثارة والمغامرات والخيال العلمي، كما يقول محبوها ومتابعوها. أبطال هذه الروايات، تلاحظ «هيلر»، يشعر قراؤها بقربهم من النفس، «حيث يتسمون بصفات مثل الخجل والقلق وقصر النظر، والانكسار والتعافي وسرعة الغضب، وينتمون إلى الطبقة المتوسطة، لكنهم يعيشون قصصاً مذهلة مشوقة، تمثل فرصة للقارئ للهرب من حياته اليومية». هل ينجح كل أوروبي أو أميركي يؤلف رواية أن يحقق مثل هذا النجاح؟ تجيب الكاتبة بالنفي، كما أن النجاح لا يتحقق دائماً مع أول كتاب. ومن المظاهر التي لا نراها كثيراً في المكتبات العربية الاهتمام بالطبعة الأولى من المؤلفات، حيث تباع مثل هذه الكتب في الغرب بمبالغ خيالية أحياناً، بينما كان ولا يزال ربما، من الممكن الحصول على الطبعات الأولى من مؤلفات وروايات عربية كثيرة، ونسخ موقعة ومهداة، بأسعار معقولة لا تتجاوز في أحيان كثيرة العشرين والخمسين والمائة دولار. وقد سألت الكومبيوتر والإنترنت عن أسعار بعض الطبعات الأولى لأعمال أدبية عالمية، فوجدت أن نسخة موقعة من الطبعة الأولى لأعمال أدبية عالمية لرواية «ذهب مع الريح» الأميركية ثمنها 3800 دولار وقد ظهرت عام 1936، ورواية «وداعاً للسلاح» موقعة من مؤلفها أرنست همنجواي 1929 بسعر 22 ألف دولار وخمسمائة ونسخة غير مجلدة من رواية «البؤساء»، طبعة 1862 بمبلغ 13 ألف دولار. وقد جرى قبل أشهر في «دبلن» عاصمة أيرلندا مزاد علني ضخم للكتب، الشرق الأوسط، 08-01-2017، بيعت فيه نسخ طبعات أولى وصلت إلى أكثر من خمسمائة كتاب، جميعها موقعة بحبر مؤلفيها. وأضافت الصحيفة أن المجموعة كلها كانت من مقتنيات هاو واحد، قالت الصحف إنه اتبع أسلوباً خاصاً للحصول على توقيعات المؤلفين الذين باتوا فيما بعد من أبرز مشاهير الأدب العالمي ومنهم «جابرييل جارسيا ماركيز». وجاء في الصحيفة أن الرجل كان يرسل رسائل في غاية اللياقة طالباً من المؤلف توقيع نسخة من كتابه، ثم يرسل إليه النسخة بالبريد مرفقة بمغلف معنون مدفوع القيمة مسبقاً لإعادتها بعد توقيعها من دون أن يتحمل الكاتب أية مصاريف. وتقول مراسلة الصحيفة «ندى حطيط»، «إن هذا الأسلوب الشديد اللطف كان مقنعاً لكثير من الكتاب لأن يضعوا تواقيعهم على تلك النسخ التي تحولت بفعل مرور الزمن إلى ثروة مجزية لمقتني المجموعة، بل فتحت أحياناً بوابة صداقات دائمة مع بعض هؤلاء المؤلفين». كان «أحمد زكي أبو شادي» «1892 - 1955» من شعراء مصر البارزين الذين هاجروا إلى نيويورك وقد بلغ الرابعة والخمسين من العمر، محاولاً أن يطرق أبواب العمل في سبيل الرزق له ولأسرته. وكان من عادة أبي شادي أن يطبع دواوينه على نفقته الخاصة في خمسين نسخة محدودة يوزعها على أصدقائه، وكان من نتيجة ذلك أن صار الاهتداء إلى دواوينه عسير المنال، لا سيما أن دار الكتب القومية لم تكن أصدرت قانون الإيداع الذي يلزم الناشرين بإيداع نسخ من كتبهم».