لم يستخدم العرب حتى الآن أوراق الضغط المتاحة لديهم ضد إيران، والتي بدورها تسارع من وتيرة التقارب والتنسيق مع تركيا في الفترة الأخيرة، فرغم أن الفرس والأتراك لم يتفقوا طوال تاريخهم، وبينهم حروب دموية ومعارك وحالة عداء لم تخمد على مدى قرون، فإن الطرفين اتفقا على محاربة الأكراد، ومنع قيام دولة كردية بشتى الوسائل. ويكاد التنسيق التركي الإيراني الموجه ضد الأكراد يمثل الخيط الرفيع والوحيد الذي يجعلهما يحتملان الجلوس على طاولة واحدة. وظل التنسيق بهذا الشأن مستمراً، وتعزز مؤخراً بزيارة رئيس أركان القوات الإيرانية إلى تركيا ولقائه مع أردوغان ومسؤولين أمنيين أتراك، على خلفية ترتيبات أكراد العراق لإجراء استفتاء حول استقلال إقليمهم، مما ينذر بخطر وشيك على الأتراك والإيرانيين ويحبط مساعيهم معاً للإبقاء على ملف الأكراد طي النسيان والتجاهل. لأن استقلال أكراد العراق سوف يفتح شهية أبناء القومية الكردية في إيران وتركيا وسوريا للالتحام بكردستان وتحقيق حلم الأكراد المؤجل. لذلك ينبغي للعرب استغلال هذا الملف للرد على المحاولات الإيرانية والتركية الدؤوبة، القائمة على انتهاج سياسة إشعال الحرائق خارج حدودهما، بينما تتجاهلان العداء التاريخي بينهما مقابل الاتفاق على قمع أي مؤشرات لتململ المكونات العرقية والأقليات لديهما، والأكراد في مقدمة تلك الأقليات التي تتوحد إيران وتركيا ضدها خوفاً من فتح ملف الاستقلال، الذي يمثل تحدياً جوهرياً، ومن شأنه أن يشكل مدخلاً لصراعات إثنية تهدد الأمن القومي للأتراك والإيرانيين. ناهيك عن الآثار والتداعيات التي ستطال القوميات الأخرى في إيران وتحرك لديها أيضاً نزعات الاستقلال بضراوة. ومن الواضح أن عبث طهران وأنقرة وتدخلاتهما المستمرة في شؤون المنطقة العربية قد استفحلت كثيراً، بالقياس إلى تدخل تركيا غير الحميد في مسار الأحداث السورية، وكذلك دعمها اللامحدود لتنظيمات الإسلام السياسي التي يتقاطع مشروعها مع نهج أردوغان الحالم بالخلافة، والذي يقود تطلعات العثمانيين الجدد. أما إيران فقد بلغ بها التبجح درجة التباهي وادعاء الهيمنة ووضع اليد عبر عملائها على أربع عواصم عربية، هي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء. مما يتطلب من العرب حفاظاً على أمنهم القومي اتخاذ قرار المواجهة بأدوات وأوراق جديدة، لكبح جماع التغول الإيراني التركي. وبخاصة أن السياسة العربية السائدة ظلت تعتمد استراتيجية الدفاع من الداخل، عبر محاولات إخماد نيران الطائفية والصراعات المذهبية التي تشعلها إيران عن بعد. وقد جرب العرب هذه السياسة لسنوات، بينما ظل ملالي إيران يفركون أيديهم فرحاً وهم يراقبون الأحداث الطائفية التي يسهمون في رعايتها وتأجيجها وينعمون بمتعة الفرجة، في حين أنه بالإمكان إلهاء إيران وحرمانها مع تركيا من ميزة التدخل في أمن الآخرين، وجعلهما تدفعان فاتورة باهظة الثمن، تكون من نتائجها الالتزام بالكف عن التدخل في ما وراء حدودهما. أو على الأقل معرفة أن لكل تدخل أو عمل تخريبي ثمناً لا بد من دفعه. الاستراتيجية المطلوبة خليجياً وعربياً تستدعي الانتقال من رد الفعل على التطفل الثنائي الإيراني التركي، إلى مربع المبادرة التي تجعل الأتراك والإيرانيين يدركون أن عليهم الالتفات لشؤونهم، ويكفي أن يكون أداء إيران الذي يعوق الاستقرار في اليمن مبرراً لإيجاد واستخدام أوراق ضغط جديدة للرد على السلوك الإيراني. وعندما نتأمل حجم الأطماع الفارسية والتركية في الوطن العربي، نجد أنها قائمة على التدخلات وتأجيج الفوضى والصراعات الطائفية ودعم التطرف. فلماذا يسمح للإيرانيين بابتزاز دول المنطقة واستخدام الأوراق الطائفية والمذهبية في اليمن والبحرين ولبنان والعراق وغيرها، بينما بإمكان العرب الرد بالمثل من خلال استخدام الورقة الكردية؟ حتى فيما يخص الأزمة الراهنة مع قطر، سارعت إيران وتركيا إلى تشكيل حلف ثلاثي مع الدوحة للإضرار بالأمن القومي الخليجي، وتشجيع قطر على المكابرة والتمادي في التعاطي مع الأزمة بأداء غير دبلوماسي. بإزاء كل ما سبق، ورداً على التدخلات الإيرانية في منطقتنا، من الأفضل أن تكون كل خيارات الرد متاحة، بما فيها دعم كفاح عرب الأهواز الذين يرغبون في التحرر من الاحتلال الإيراني ويتلهفون لأي دعم عربي لمساعدتهم، إلى جانب دعم الحركات والأحزاب الكردية.