بناء على ما مر به الخليج العربي من أحداث لأكثر من ثلاثة أشهر، يتضح بأن هناك إجماعاً في الرأي على المستويات الخليجية والعربية والدولية، بأن على قطر أن تغير مواقفها من قضايا عدة أهمها التوقف عن دعم الإرهاب بكافة صوره وأشكاله المعلنة والمستترة، خاصة فيما يتعلق بمسألة التمويل التي تلعب فيها قطر أدواراً تحير من يقف على حقيقتها تجعله يتساءل عن ماهية الأهداف والمآرب التي يريد من يسيرون الأمور حالياً التوصل إليها، وهل مايحدث يصب في المصالح القطرية أم أنه سينقلب عليها في مقبلات الأيام. القضية الثانية هي التوقف عن الارتماء في الأحضان الإيرانية مع العلم المؤكد بأن إيران هي رمز من رموز الاستعمار بثوب جديد وفقاً للمفاهيم القديمة للاستعمار القائمة على التواجد الفعلي على الأرض، والدليل على ذلك ما فعلته وتفعله حالياً في العراق وسوريا ولبنان. هذا الارتماء في الحضن الإيراني يأتي على عكس ما يدل عليه الإجماع الشعبي والرسمي العربي والخليجي الخاص بالتطلع في شوق إلى الحرية والاستقلال والارتباط بالأسرة الخليجية والعربية كشركاء حقيقيين في السراء والضراء. الارتماء في أحضان إيران يبدو بأنه لم يكف، فأعقبه الارتماء في حضن تركيا، فما الذي يعنيه ذلك؟ إنه يعني وجود ممارسات غير سوية باعثة على الخوف، وهو خوف على المستوى الرسمي يتردد في صدور وأذهان من يسيطرون على الأمور ويتخذون القرار، وهو خوف فيه توجس من المستقبل يدفع بهم إلى طلب الأمان من أي كان وإلى الاعتماد الذي يعتقدون بأنه واثق من خلال التواجد المكثف للقوات الأجنبية على الأراضي القطرية، رغم أن ذلك في تقديري هو خيار خاطئ، لأن هذه الأطراف الإقليمية قوية وذات أطماع توسعية واضحة في الأراضي العربية، في مقابل كون قطر ضعيفة من النواحي العسكرية، الأمر الذي يجعل من تواجد قوات أجنبية بهذه الكثافة على أراضيها مصدر خطر مستقبلي أكثر من كونه مصدراً للأمن والسلامة. والأمن والسلامة من من؟ أمن أشقائها الخليجيين والعرب؟! أو ليس هذا أمر فيه خداع للنفس، وفقدان للبصر والبصيرة؟ القضية الثالثة هي التحالف مع "الإخوان" وإيواء فلولهم وقياداتهم على الأرض القطرية، ومدهم بالدعم المادي والأدبي. هذا التحالف فيه عدم إدراك شديد لحقيقة من هم "الإخوان". فهذه الجماعة المتطرفة والتي تصنف حالياً بأنها إرهابية ذات تطلعات واسعة للوصول إلى السلطة والاستئثار بها. هذه الجماعة كان لها وجود ضعيف نسبياً في دول الخليج العربي قبل عام 1994، برغم من كون بعض قادتها ورموزها موجودين في قطر منذ بداية ستينيات القرن العشرين كهاربين من وجه العدالة في مصر، لكن الدعم والحماية التي قدمت لها لاحقاً جعلت عودها يقوى، وتفصح عن الوجه الآخر الحقيقي لها، الساعي إلى قلب الأنظمة التقليدية القائمة في المنطقة واستبدالها بشيء جديد لايعرفه أهل الخليج، لابسة ثوب الإسلام كعباءة تختفي فيها. القضية الرابعة والأخيرة هي قضية التدخل في الشؤون الداخلية للبحرين التي كشفت عنها السلطات البحرينية بأدلة دامغة جعلتها تلجأ إلى القضاء الدولي للاقتصاص القانوني ممن قاموا بها من مسؤولين قطريين. هذه التدخلات حادثة ليست في فراغ إنما من خلال النفخ في أجندة إيرانية لتحريك الشيطان الطائفي، لكي يعصف بالمجتمع البحريني المسالم. الممارسات القطرية هذه ماهي سوى تأكيد ودعم وسند لأطماع إيران القديمة والمستجدة في أراضي وخيرات دول الخليج العربي، وهي ليست تخميناً ولا حدساً، بل هي حقيقة يتداولها المسؤولون الإيرانيون على الملأ، وتتمثل في احتلالهم لجزر دولة الإمارات العربية المتحدة الثلاث أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى، ومطالبتهم بالبحرين، وبالإحساس العربي والخليجي بأن إيران تشكل تهديداً دائماً لبقية أجزاء العالم العربي. وبالتأكيد أن مثل هذه الممارسات لاتُرضي الشعب القطري، فهي موجهة إلى صدور أشقائه وأهله في البحرين والإمارات والسعودية ومصر واليمن، لكن الحقيقة المؤلمة هي أن الشعب القطري مغيب عن كل ذلك وتجري الأمور من وراء ظهره ويتم إشغاله بشكل متعمد في قضايا جانبية بعيدة كل البعد عن رغباته وتطلعاته ومواقفه تجاه أشقائه.