ما الذي يجري في واشنطن تجاه الرئيس دونالد ترامب.. أهي إرهاصات مؤامرة ضده؟ من الواضح أن هناك سحباً كثيفة سوداء تتجمع فوق سماوات البيت الأبيض ومن هولها قال البعض إن أيام الرئيس في البيت الأبيض باتت معدودة، وفي مقدمة هؤلاء كاتب مذكرات ترامب «توني شوارتز»، الذي كتب على «تويتر» منذ أيام يقول «إن ترامب سيستقيل قبل ألا يترك له المحققون أي خيار». يضيق المحقق الخاص «بوب موللر» الخناق على ترامب، ويدعمه رجالات من الكونجرس، و«الديمقراطيون» عن بكرة أبيهم، وبعض من أعضاء الحزب «الجمهوري». لا يبدو ترامب بريئاً بالمطلق من الاتهامات الموجهة إليه في التواصل مع الروس الماضين قدماً للثأر التاريخي من أميركا، ولهذا يبدو ترامب في مأزق لاسيما وأن عيون الأميركيين آخذة في النظر إليه كمذنب لا كضحية. في السادس عشر من يوليو الماضي كانت «واشنطن بوست» تُظهر نتائج استطلاع رأي أجرته، وجميعها حسمت بتراجع غير مسبوق لشعبية ترامب في الشارع الأميركي، فقد انخفضت نسبة تأييده من 42% في أبريل الماضي إلى 36% في يوليو، فيما ارتفعت نسبة المعارضين إلى 58%. لم تكن الاتهامات الموجهة إلى ترامب هي السبب الرئيسي بل المآل الذي صارت إليه البلاد بعد سبعة أشهر تقريباً من رئاسة الرجل، ولا سيما في ظل برنامج رئاسي متعثر، وتضارب اختصاصات. على أن سياقات الأحداث وتسارعها في واشنطن تكشف وكأن سيناريو ما، تجري به الأحداث في الخفاء، وبخاصة بعد اشتعال المواجهات العنصرية في مدينة تشارلوتسفيل بولاية فيرجينيا. تصريحات ترامب الأولية فُهم منها أن الرجل يدافع بنحو أو آخر عن جماعات بيضاء عنصرية من أمثال النازيين الجدد أو «الكوكلس كلان». أخفق ترامب ولا شك في اختبار العنصرية الأخير وتصريحاته خلال حملته الانتخابية عن «أميركا أولاً» تعيد التذكير بشعارات ظهرت في أوائل القرن العشرين مثل «ألمانيا فوق الجميع»، لكن على الجانب الآخر يبقى التساؤل:«هل من إمكانية ما لأن يكون ترامب ضحية مؤامرة من جماعة بعينها داخل الولايات المتحدة، هذه الجماعة التي توجه لها حتى الساعة أصابع الاتهام في قتل "جون كيندي" للأسباب عينها التي يسعى ترامب في طريقها قبل أن يقطع عليه الكونجرس الطريق بقانون العقوبات على روسيا؟ إن لم يكن التاريخ كله بالقطع مؤامرة متصلة، فالمؤامرة تبقى كامنة في حنايا التاريخ وثنايا أضلعه، ولهذا كان التقرير الأخير والمثير لوكالة المخابرات الأميركية الخاصة، والمنشور على موقع "كونسورتيوم" الأميركي الشهير، والذي تشرف عليه طائفة من عملاء أجهزة الاستخبارات الأميركية المختلفة من الـ CIA وNSA وغيرهما. التقرير وباختصار غير مخل يشير إلى أن الضجة المثارة حول بيانات هيلاري كلينتون وبريدها الإلكتروني، وكذا ما تسرب من وثائق تخص "الديمقراطيين" خلال الانتخابات الرئاسية الماضية، ليس إلا فخ كبير نصبه "الديمقراطيون" لترامب وجماعته، فالمعلومات قد تم تسريبها، ولم يتم اختراق المواقع، وقد تم إلصاق التهمة بالروس تالياً في تخطيط مسبق للإطاحة بترامب حال فوزه. والشاهد أن هناك أصواتاً عقلانية كثيرة في الداخل الأميركي، تذهب إلى أن هذا السيناريو يمكن أن يكون مقبولاً ومعقولاً، انطلاقاً من أنه يوفر الحماية الكافية للمجمع العسكري الصناعي والأمني في حفاظه على الميزانية الضخمة للقوات المسلحة، وعليه يبقى البحث عن عدو جيد وقوي، هدف استراتيجي لبقاء هذا"الوحش" في الداخل الأميركي. السياق الاستراتيجي المتقدم يتسق وما يعرف في الداخل الأميركي بـ"نظرية وولفوتيز" لعام 1992، والرجل هو نائب وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد، في زمن حرب الخليج، وخلال إدارة بوش الابن، وأحد"صقور" تيار "المحافظين الجدد"، المبدأ يسير في معية القول بأنه ينبغي على واشنطن أن تحافظ على أسبقيتها وتقدمها على بقية دول العالم، وإبطاء تطور أي منافس محتمل لها. هل كانت دعوات ترامب كفيلة بإحداث تغييرات جذرية في المشهد الدولي وتجاه روسيا – بوتين، بنوع خاص، ما يهدد كيان تلك النخبة النافذة المتنفذة في واشنطن، ذات الجذور العميقة والأذرع الأخطبوطية الطويلة والمخيفة؟ انفضاض الجمع من حول ترامب مؤخراً، وإقالة أقرب مستشاريه "ستيف بانون"، عقلة الثوري والأيديولوجي والاستراتيجي، عطفاً على ما يوجه من اتهامات لـ"راينس بيريبوس" الأمين العام للبيت الأبيض، بأنه الرجل الذي أدخله "الجمهوريون" للبيت الأبيض ليهدم المعبد على رأس ترامب، جميعها تدلل على أن المشهد هو صراع داخلي أميركي أبعد كثيراً جداً من مسألة علاقة ترامب بالروس.