من المفاهيم الرئيسة في التراث القديم، مفاهيم العلم والعمل والتكافل الاجتماعي. اللفظان الأولان العلم والعمل، لفظان قديمان وحديثان في آن واحد في التراث القديم وفي الفكر الإسلامي المعاصر، ملتقى التراثين القديم والغربي. في حين أن تعبير «التكافل الاجتماعي» تعبير حديث وإن كان يدل على معنى قديم أيضاً وهو الاشتراك في الأموال، ولو أنه مشتق من لفظ قديم «كفل» بمعنى الرعاية والتعهد. وترتبط المفاهيم الثلاثة ببعضها بعضاً. فالعلم هو النظر، والعمل هو الممارسة، والتكافل الاجتماعي هو الانتقال من الفرد إلى المجتمع، ومن الوعي الفردي إلى الوعي الاجتماعي، ومن الذات إلى الموضوع، ومن الفكر إلى الواقع. وبتعبير الفيلسوف كانط فالعلم هو العقل النظري، والعمل هو العقل العملي، والتكافل الاجتماعي هو الغائية في التاريخ، ما يعادل ملَكة الحكم. وترتبط هذه المفاهيم الثلاثة فيما بينها من حيث تكوين الحروف وإن لم يكن من حيث الاشتقاق. فلفظ «علم» مكون من حروف ثلاثة (ع ل م) وهي نفس الحروف التي يتكون منها لفظ عمل (ع م ل) مع تبديل الحرفين الثاني والثالث تقديماً وتأخيراً. وإذا كان التكافل الاجتماعي يتعلق بوضع البشر في العالم فإن لفظ «عالم» من نفس الحروف الثلاثة (ع ل م) وبنفس ترتيب حروف لفظ «علم» مع إضافة المد بعد الحرف الأول دلالة على عظم العالم وكبره واتساعه وامتداده. والفكر العربي الإسلامي له مصادره الأولى في القرآن الكريم والسنة المطهرة، ثم في العلوم الإسلامية القديمة وخاصة العلوم الفقهية والدينية التي تحولت إلى ثقافة شعبية متداخلة مع الأمثال العامية ومكونة للوجدان العربي الإسلامي. كما أن الفكر العربي المعاصر هو نقطة الالتقاء بين التراث القديم والتراث الغربي، بين الموروث والوافد متفاعلاً مع الواقع العربي واحتياجاته، أزماته ومتطلباته. فما أكثر الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي قرنت بين العلم والعمل. وما أكثر الإشارات إلى حق الفقراء على الأغنياء، كالزكاة والصدقات والكفارات، وحق الجوار. كما أن مفاهيم التكافل والتضامن الاجتماعي تستمد من التراث العربي الإسلامي، ومن الأمثال العامية التي تتداخل مع التراث فيكونان معاً الرافدين الأساسيين في الثقافة الشعبية. فما يؤثر في الناس ليس تراث العلماء في بطون الكتب وحده، بل كذلك الثقافة الشعبية العامة التي أفرزت هي أيضاً حكمتها في الأمثال العامية والسيَر الشعبية. ويمكن دراسة هذه المفاهيم بعدة مناهج. وتتفاوت هذه المناهج بين دراسة ما ينبغي أن يكون ودراسة ما هو كائن. ولما كان الموضوع هو المفاهيم وليس الواقع فإن دراسة المفاهيم تكون أقرب إلى الدراسات المعيارية منها إلى الدراسات التجريبية. ولما كان الوعي العربي المعاصر ما زال أقرب إلى الوعي المثالي الذي يرى ما ينبغي أن يكون أكثر مما هو كائن، يعبر عن معاييره القديمة التي قد يكون الواقع على نقيضها، فيعبر عن أمانٍ وتطلعات ويحلم بعالم أفضل في الماضي أو في المستقبل بعيداً مشكلات الحاضر، غلبت عليه في دراسة المفاهيم والمناهج النصّية والمعيارية. وعادة ما تكون دراسة ما ينبغي أن يكون بالمنهج الدفاعي الذي يبين عظمة الإسلام ودعوته إلى العلم والعمل والتكافل الاجتماعي كقيم إسلامية أصيلة. فلا يوجد دين عظّم هذه القيم كما عظّمها الإسلام. وعادة ما يعتمد المنهج الدفاعي على النصوص الأولى في الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والتابعين والعلماء الأوائل. يحلل النصوص لغوياً ويشرحها نصياً. ونادراً ما يشير إلى أسباب النزول وأثرها في التغير الاجتماعي. وقد يتجاوز تحليل النصوص الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وأقوال الصحابة والتابعين وكبار الزهاد إلى كتب التراث نفسه خاصة التراث الفقهي إما تكراراً وشرحاً وعرضاً وتلخيصاً أو مع بعض الاجتهادات المعاصرة. تبين عصرية الإسلام، وحداثة الدين، وقدرته على حل مشاكل العصر التي يشعر بها الجميع، الجهل، والكسل، والتفاوت بين الفقراء والأغنياء. وقد يؤدي عرض إيجاب الفكر إلى إدراك سلب الواقع. والمنهج الدفاعي بطبيعته يدافع عن الأفكار والقيم ولا ينظّر لها أو يحللها أو يبين مدى تفاعلها مع الواقع قبولاً أو رفضاً، تسليماً أو اعتراضاً. كما أنه منهج انتقائي يقوم على اختيار النصوص المؤيدة وترك النصوص المعارضة مما يسمح لعالم آخر من موقف مخالف اختيار النصوص المتروكة عن قصد وعمل عرض لها مناقض للعرض الأول. ثم قد ينشب تراشق بالنصوص بين الموقفين الاجتماعيين المتعارضين، وكل منهما يجد شرعيته في النصوص وذريعته فيها! الموقف الاجتماعي هو الأساس والنص هو المشرع والغطاء. الأول يجعل الإسلام اشتراكياً، والعلم هو العلم بالواقع، والعمل هو العمل اليدوي، والتكافل هو إعادة توزيع الدخل. والثاني يجعله رأسمالياً. والتكافل الاجتماعي أخلاق الإسلام التي تقوم على الزكاة ومقدارها 2.5% من مجموع الثروة تحليلاً لباقي الثروة وهي 97.5% وتشريعاً للملكية، وعلى الصدقة الاختيارية.‏? ?وحرية? ?التجارة? ?والربح? ?مكفولة? ?بالشرع.