تشير الأجواء الحالية إلى اقتراب لحظة التبلور النهائي للرؤية السياسية لدى إدارة الرئيس ترامب حول السلام العربي الإسرائيلي، وهي الرؤية التي سيترتب عليها إطلاق مبادرته للسلام. نلاحظ في هذا الصدد أمرين: الأول يتصل بالوفد الأميركي المكلف من الرئيس ترامب بإحياء عملية السلام والقيام بجولة مباحثات جديدة في الشرق الأوسط، والثاني يتصل بالنشاط العربي السياسي الهادف إلى التأثير في مبادرة ترامب لتأتي متفقة مع حل الدولتين والمبادرة العربية للسلام. فيما يتعلق بالوفد الأميركي هناك ثلاثة فروق مهمة بين الجولة السابقة والجولة الجديدة، الأول يتعلق بنطاق الجولة حيث انحصرت الجولة السابقة في مفاوضات مع نتنياهو وعباس في حين يتسع نشاط الوفد هذه المرة ليشمل مباحثات مع مسؤولين من دول خليجية وكل من مصر والأردن، مما يدل على أن الوفد الأميركي قد استوعب الموقفين الإسرائيلي والفلسطينى وأصبح بحاجة لاستيعاب مواقف العواصم العربية الرئيسية المؤثرة في قضايا الصراع والسلام بين العرب وإسرائيل. الفرق الثانى يتعلق بتكوين الوفد، فقد اقتصر في المرة السابقة على جاريد كوشنير (صهر الرئيس) وجيسون جرينبلات مبعوثه الخاص لعملية السلام، لكن تنضم إليهما في الجولة الجديدة دينا باول نائبة مستشار الأمن القومى الأميركي للشؤون الاستراتيجية وهو فرق يعني دخول جهود الوفد في إطار بلورة مبادرة ترامب بما يتفق مع المصالح الاستراتيجية الأميركية. الفرق الثالث يتمثل في اختفاء ستيف بانون الذي كان كبير مستشاري ترامب قبل إقالته والذي كان يتصارع مع كوشنير حول التأثير على ترامب. كان بانون يلح على الرئيس ترامب في ثلاثة أمور: الأول تنفيذ وعد ترامب الانتخابي بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، والثاني قبول فكرة اليمين الإسرائيلي المتطرف حول الحل النهائي أي رفض حل الدولتين وإعلان ضم الضفة الغربية إلى إسرائيل مع منح الفلسطينيين حكماً ذاتياً تحت السيطرة العسكرية الإسرائيلية، والثالث هو الضغط على رئيس السلطة الفلسطينية وعدم استقباله في البيت الأبيض. في هذا الإطار تعمد بانون مقاطعة زيارة عباس واجتماعاته مع ترامب في مايو الماضي. ومن المهم أن نعلم أن كوشنير كان يرى في تلك التوجهات إضراراً بعملية السلام وبالمصالح العليا للولايات المتحدة. إن اختفاء بانون يحدث فرقاً مهماً على الجانب الأميركي يشير إلى تغلب عناصر الاعتدال والعقلانية في إدارة ترامب وإفساح الطريق أمام التفكير الذي يضع المصالح الأميركية العليا موضع الاعتبار لإقامة سلام عادل وشامل يساهم في القضاء على الفكر المتطرف. إن التوجيه الذي أعطاه ترامب للوفد الأميركي هذه المرة يقترب من الفهم العربي لعناصر عدم الاستقرار، فقد طلب من الوفد التركيز على أمرين مترابطين من وجهة النظر العربية، الأول إيجاد طريق لاستئناف عملية السلام وإجراء مفاوضات فلسطينية إسرائيلية مكثفة، والثاني هو التباحث حول طرق محاربة التطرف. ومعلوم أن جامعة الدول العربية ترى فيما يتعلق بتفسير ظاهرة التطرف أن الظلم التاريخي الفادح الذي تعرض له الشعب الفلسطيني منذ عام النكبة، يمثل عنصراً رئيسياً من العناصر التي تزرع المرارة وتسهل لمنظمات العنف السياسي تجنيد الشباب العربي والمسلم، خصوصاً مع سياسات الأطماع التوسعية في الضفة الغربية والتي تطبقها حكومة اليمين المتطرف الإسرائيلية الحالية والتي تقتل الأمل في إقامة سلام عادل يلبي الطموحات الوطنية للشعب الفلسطيني في التمتع بحق تقرير المصير مثل كافة شعوب الأرض وإنشاء دولته المستقلة. أما على الجانب العربي فقد لاحظنا تحركات نشطة يساهم فيها الأردن، الرئيس الحالي للقمة العربية، بهدف بلورة الموقف العربي وحشده حول مبادرة السلام العربية. ومن المؤكد أن هناك تحركاً سياسياً غير ظاهر للعيان للمساهمة في بناء مبادرة ترامب على أساس مبادرة السلام العربية يجري على قدم وساق في العواصم العربية التي ستستقبل الوفد الأميركي. إن الشكوى التي عبّر عنها الرئيس عباس لوفد حزب «ميرتس» اليساري الإسرائيلي تساهم هي الأخرى في بناء مبادرة ترامب، فقد قال إنه سمع من عضوي الوفد الأميركي كوشنير وجرينبلات أنهما يؤيدان حل الدولتين ووقف الاستيطان غير أنهما يرفضان إعلان ذلك على الملأ. أعتقد أن اللحظة التي سنسمع فيها هذا على الملأ من الإدارة الأميركية قد دنت.