في الحادي والعشرين من شهر أغسطس الجاري، أدلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب بخطاب متلفز قرأه بحذر حول السياسات الأميركية تجاه الحرب في أفغانستان، وتراجع فيه عن وعد قطعه أثناء حملته الانتخابية بمغادرة منطقة الحرب تلك، وبدلاً من ذلك، التزم ببقاء القوات الأميركية لأجل غير مسمى، وذلك بهدف المساعدة على تدمير حركة «طالبان» واستئصال القوى المتطرفة الأخرى هناك. بيد أن الرئيس كان غامضاً بشأن التفاصيل والأطر الزمنية لبقاء القوات الأميركية في أفغانستان، وبالطبع فإن ذلك يعود لأسباب متعمدة، فهو لم يرغب في تكرار خطأ أوباما، بالإشارة إلى فترة محددة للبقاء الأميركي. وقد بدأت الحرب الراهنة في أفغانستان في خريف عام 2001، عقب الهجمات الإرهابية التي شنّها بن لادن ونشطاء تنظيم «القاعدة» ضد الولايات المتحدة في 11 سبتمبر من ذلك العام. وقد كانوا ينشطون من خلال قواعد في أفغانستان في ظل حماية حكومة «طالبان». ومضت المرحلة الأولى من الحرب بصورة جيدة جداً للولايات المتحدة وحلفائها في حلف «الناتو». وعلى الرغم من أنه لم يتم القبض على أسامة بن لادن في ذلك الوقت، إلا أن تنظيم «القاعدة» تفكك، وفرّ كثير من أعضائه إلى باكستان المجاورة. وتم إقصاء «طالبان» من الحكم، وتنصيب حكومة جديدة بقيادة حامد كارزاي، ومنحت سهولة تنفيذ العمليات العسكرية في باكستان ثقة كبرى لمجتمع الدفاع الأميركي، وعززت الأصوات المنادية بالاستعداد لحرب إطاحة نظام صدام حسين في العراق. وقد بدأت الحرب في العراق في مارس عام 2003، لكن بعد نجاحها المبدئي والسريع نسبياً أضحت بلاد الرافدين مستنقعاً مميتاً للقوات الأميركية وحلفائها، مما تسبب في خسائر كبيرة للأصول العسكرية الأميركية. وتراجع الاهتمام بالحرب في أفغانستان، ولم تحصل على المستويات ذاتها من الدعم العسكري الذي تدفق إلى العراق. ومن ثم، عندما شنّت «طالبان» هجوماً جديداً في عام 2003، لم تكن القوات الأميركية وحلفاؤها والقوات الأفغانية الناشئة متأهبة لمواجهة تمرد متكامل الأركان، ومنذ ذلك الحين تواصلت الحرب من دون انقطاع. وكانت إدارة أوباما عازمة على سحب معظم القوات الأميركية بحلول عام 2014، لكنها عجزت عن ذلك. وقد كان خطاب ترامب الأخير جديراً بالاهتمام لعدة أسباب، أولها، أنه كان واضحاً جداً في انتقاده لباكستان بسبب ما وصفه بدورها في حماية متمردي «طالبان» وإيوائهم على أراضيها، حيث قال: «لقد كنا ندفع لباكستان مليارات الدولارات في الوقت الذي توفر فيه ملاذاً آمناً لإرهابيين خطيرين نحاربهم»، مضيفاً: «إن ذلك يجب أن يتغير، وسيتغير فوراً». ولتوضيح الأمور بدرجة أكبر أمام السلطات الباكستانية وإبراز التحديات التي تواجهها، شدد ترامب على أهمية الهند، الخصم التقليدي لباكستان، ودورها في المساهمة في الحرب بأفغانستان. وتابع: «نريد أن يساعدونا بدرجة أكبر في أفغانستان، خصوصاً في مجال الدعم الاقتصادي والتنموي». واستطرد قائلاً: «إننا نريد الالتزام بالسعي من أجل تحقيق أهدافنا المشتركة من أجل السلام والأمن في جنوب آسيا ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ»، وبالطبع قد تسببت تلك التصريحات في تصعيد الغضب في باكستان التي ترفض اتهامات ترامب. غير أن النقطة المفقودة تماماً في مراجعة ترامب للوضع الاستراتيجي في المنطقة هي عدم إتيانه على أي ذكر للقوى الرئيسة التي تلعب أدواراً مباشرة ومؤثرة في أفغانستان، إذ تتقاسم كل من إيران والصين حدوداً مع أفغانستان. ولروسيا علاقات وثيقة جداً مع قبائل شمالية في أفغانستان كذلك. وتاريخياً، اعتادت إيران على التدخل في مساحات شاسعة من غرب أفغانستان، بينما تعكف الصين على تنفيذ برامج بنية تحتية عملاقة لربط نفسها بكافة الدول الأساسية في وسط آسيا وما وراءها. وتربطها أيضاً علاقات قوية جداً مع باكستان، في حين أن لديها نزاعات حدودية مزمنة مع الهند. وعلى الرغم من إغفال ترامب المتعمد لأي قرار بشأن زيادة أعداد القوات الأميركية في أفغانستان، فمن المتوقع في المدى المنظور أن يتم إرسال أربعة آلاف جندي أميركي إضافي إلى هناك. وقد قال الرئيس الأميركي: «إن من الأعمدة الأساسية الأخرى في استراتيجيتنا الجديدة التكامل بين أدوات القوة الأميركية، الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية كافة، من أجل تحقيق نتيجة ناجحة». بيد أن إدارة ترامب سبق أن أعلنت عن تخفيضات كبيرة في حجم وموازنات البرامج الاقتصادية والدبلوماسية الأميركية. ولا تزال مئات الوظائف في وزارة الخارجية شاغرة منذ دخول ترامب إلى البيت الأبيض، تاركاً وزير الخارجية «ريكس تيلرسون» يكابد مع عدد قليل من الموظفين لتغطية مجالات المسؤولية الضخمة. وثمة أمل ضعيف في أن تتمكن الولايات المتحدة من تحقيق انتصار في أفغانستان على المدى القريب. وأفضل أمل هو التوصل إلى تسوية من خلال طاولة المفاوضات بين الأطراف كافة، ومن بينها حركة «طالبان»، بيد أنه لا يتوقع أحد الوصول إلى مثل هذه النتيجة قريباً.