الأزمة الراهنة التي تصر قطر على استمرارها، كشفت حقيقة مهمة، تتمثل في أن العالم العربي لم يعد يحتمل مثل هذه المراوغات القطرية لمصلحة أحزاب ما أنزل الله بها من سلطان.. ضجت بها الطرقات وتاهت بها خرائط الأوطان التي تبحث لها عن نسمة وطنية خالصة تخلصها من لوثات تسييس الإسلام الطاهر وسلاسل الإرهاب تطوق عنقه من أجل مصلحة أفراد، وأيضاً لمصلحة مؤسسات تنشر الخراب باسم الدين، وتُروج لما تراه «خلافة» منقذة. قطر تتعامل مع الدول الأربع المقاطعة لها وكأنها في حرب شرسة، فبعد مرور أكثر من 80 يوماً على وضعها المأزوم بدأت أبواقها الإعلامية تتحدث عن أكثر من ثمانين يوماً من الانتصار على «الحصار» حسب ما تروج لنفسها، أربع دول قاطعتها من إجمالي قرابة مائتي دولة في العالم تتعامل معها بكل أريحية، فأين هذا الحصار المزعوم؟ لم يوجد في التاريخ السياسي للدول، دولة واحدة تقيد نفسها بفكر لا ينتمي إلى نشأتها إلا قطر التي راهنت مستقبلها على فكر يربك كل ما هو مستقر وآمن. حتى دولة بعظمة أميركا لم ترض بعد التحرر من الاستعمار البريطاني أن تكون حبيسة لأفكار الشيوعيين الذين كانوا يعملون في الخفاء لتقويض الدولة الوطنية، فأجبرتهم على الظهور إلى السطح والإعلان عن مكنونهم على المكشوف. وكذلك حال الدول الديمقراطية التي تتداول الأحزاب الحكم فيها لا تقبل للحزبية أن تودي بالوطنية، الخط الأحمر في أعرق الديمقراطيات عدالة ورشداً. فكيف بفكر متطرف عابر للقارات وكل الحدود المتفق عليها بين شتى الأوطان في العالم، وهو حق سيادي يتم الدفاع عنه بالنفس والنفيس للحفاظ على حرمة الوطن وكرامته التي يسعى أصحاب الأجندات الخفية من التيارات السياسية المتأسلمة للانقضاض على أي قوة للوطن في ذاته. حقيقة قطر أنها حاصرت وطنها بأفكار تنظيمات أثبت التاريخ انتهازيتها ونفعيتها الذاتية خارج إطار أي وطن وإن كان هو الملجأ أو الحضن الدافئ، فهي كذلك إلى حين ساعة الغلبة، أو ما يسمونه بالتمكين بعد التسكين، وهي ما تلجأ إليه قطر للخروج من مأزقها الراهن، وهو رهان خاسر بدليل تجارب الدول التي ذهبت قرابين لأفكار تعفنت في وكرها. فأفكار «داعش» و«القاعدة» و«الحوثيين» وحتى نظرائهم من «الإخوان» و«حزب التحرير» الذين أعلنوا منذ سنوات عن الخلافة الراشدة في «الهايدبارك» بلندن، و«القاعدة» التي دمرت أفغانستان، وكذلك أصابت أميركا في عزتها الوطنية في واقعة البرجين، كل هذه التنظيمات لا تختلف كثيراً عن «الخوارج» و«القرامطة» الذين أحالوا الحرم المكي إلى برك من الدماء، و«الحشاشين»، الذين عاثوا في لبنان الماضي الفساد، و«جماعة جهيمان» التي احتلت الحرم المكي في وضح النهار للإعلان عن «خليفة المسلمين»! كل هذه الأفكار الهاربة من ذاك الزمان لتستقر في عقول المغرر بهم في هذا الزمان، بل أكثر من ذلك، تجد دولة مثل قطر ترعاها وتسقيها من أعز ما تملك من ثروات لكي تنمو على هيئة رؤوس الشياطين تهدد بها أشقاءها وجيرانها وأقرب الناس إليها، أليست هذه سياسة محيرة، بل ومحتارة في ذاتها، فضلاً عن عجز المنطق والعقل الرشيد في التعامل معها مثل بقية الدول العاقلة في العالم. إننا أمام مشهد تاريخي غير مسبوق إليه، قطر تبحث عن دور سياسي، وفق المقاييس السياسية في العالم لا تثبت أركانها على أرض الواقع، وإنْ دعمت بفكر الإرهاب الذي تريد قطر أن ترهب به من يبحثون لها عن قارب النجاة لحالتها المتردية أمام أعين العالم الذي يطالبها بما طالبت به الدول الأربع وليس أكثر.