الحوادث الإرهابية التي تجتاح العالم، وتبتكر كل يوم وسائل جديدة لتعميم ثقافة الخوف، هي نتاج حياتنا المعاصرة، وتُجسِّد مرحلة من التاريخ البشري على ما فيها من «ماضوية»، فيها أيضاً من الحاضر ـ صناعة وتدبراً وابتكاراً لوسائل الإجرام ـ وهي من كثرتها وتنوعها تكشف كل يوم عن دعم دول وقيادات للفاعلين سواء أكانوا ظاهرين أو مستترين، وبعض المعطيات والمؤشرات المعلومات ترى أن الأعمال الإرهابية ليست خاصة بتنظيمات إرهابية قامت على خلفيّات دينية ومذهبية وطائفية وعرقية فحسب، ولكنه من صُنْع الحكومات والدول، وحين تغدو هذه الأخيرة مُنتجة ومُصدرة للإرهاب فعلينا أن نستعد لحالٍ من الفوضى قد تدوم لعقود، مصحوبة بمزيد من التدمير. إن شراكة بعض الدول عبر أجهزتها الأمنية ـ بشكل مباشر أو غير مباشر ـ في دعم الجماعات الإرهابية، والإسهام في ابتكار وسائل جديدة ذات طابع نفسي بالأساس، يعني أن قوة «التدافع» بين الأمم لم تعد مؤسسة على الحرب التقليدية، وأنه لا أمان اليوم في المطلق، حتى لو وسعت الأفراد بيوتهم إن وجدت، أي أن الخطر داهم، وعام، ومتوقع في كل لحظة، والحرب الدائمة التي لا تضع أوزارها هي أشدًّ فتكا بالبشر من الحرب المباشرة، لأتها تُعمّم ثقافة الخوف، وتُفْقد الحياة معناها، وتُحوِّلُها إلى نوع من العبثيَّة. تَوسُّع الإرهاب وشموليته، وتنوع وسائله، وامتداده زماناً ومكاناً، واختراقه لكل فضاءات التَّحكم عن قرب أو بعد، يدفعنا إلى مناقشة الخطاب السياسي السائد على المستوى العالمي؛ لأنه يخدم ثقافة الإرهاب ويُغذَّيها، ومن يتابع قرارات ومواقف قادة وزعماء بعض الدول الكبرى والمتقدمة يجدها مليئة بالشطط والسفاهة، لا تقل عن تلك التي يطرحها قادة بعض الدول الصغيرة والمتخلّفة، وإن كانت الأولى تطرح مواقفها بطرق تحمل في ظاهرها بعض مبررات المدنية الحديثة، ومع ذلك ورغم ما يواجه العالم من مصير مأساوي لا نزال نحن وقوداً لكل حرب، ومتهمين دائماً بتصدير الإرهاب، مع أننا في واقع الأمر ندفع كل يوم من أعراضنا وأعمارنا وأموالنا ما يؤكد على أننا نحن ضحايا الإرهاب، وأننا نقدم قربانا لمشروع عالمي أراد إحداث خصومة مع الأديان للحصول على مكاسب اقتصادية أو سياسية أو حتى جيو ـ استراتيجية. مهما يكن، فإننا نرفض اليوم أن نظل أسْرى الطرح النظري لمسألة الإرهاب، ولم يعد مقبولاً ـ جملة وتفصيلاً ـ تحملنا أفعال المجرمين سواء أكانوا منا أو من غيرنا، ذلك لأن المقارنة ـ نسب وتناسب ـ تشير إلى أن الغالبية منا مسالمة، ورافضة للإرهاب، بل هي ضحية له، ونحن نعرف أنه لن يكون في مقدورنا أن ننحاز إلى مواقفنا الرافضة، ليس فقط لأننا في حال من الضعف بحيث لا يعتد بمواقفنا وآرائنا، ولكن لأن هناك سياسة ذات بعد دولي ـ آخذة في الاتساع ـ تحمل«رعونة» في التنظير والممارسة، يعرف كثير من قادة العالم، إنها ستؤدي بنا إلى كارثة وجودية، ومع ذلك يتجاوزون عن أخطاء غيرهم من الحكام والقادة، لإدراكهم أن أي نوع من النقاش حول هذا الموضوع سينهي أدوارهم ويحولهم إلى مجرمين، ويذيق شعوبهم الذل الهوان، على غرار ما رأينا في بعض دولنا العربية؛ لذلك اختاروا واحداً من ثلاث، إما الصمت في انتظار واهٍ لمرور العاصفة، أو التحالف بحذر مع قوى الشر بما يخدم مشروعها في محاربة الإرهاب، مع أنها هي المنتجة له، أو إثارة قضايا مجتمعية هي من الثوابت لإشغال الرأي العام، والاختيارات الثلاث تفضي إلى مزيد من ثقافة الإرهاب.