وفاة عبدالحسين عبدالرضا، هذا الفنان الأصيل، كما لو أنها كانت رسالة كما كانت حياته – لكل جمهوره ومحبيه بأن الفن البديع والأصيل.. الفن الحقيقي وهو ما يريده الجمهور! فكل هؤلاء الذين تأثروا بوفاته وشيعوا جنازته واستدعوا أعماله الظريفة الراقية هم في الحقيقة يوجهون رسالة إلى الفن اليوم مفادها، أنه وصل منحدراً أخلاقياً لا جمهور له، فالجمهور الذي شيع هذا الفن الخلوق هم أنفسهم الجمهور الذي عزف عن حضور مسرحيات بذيئة بلا نص ولا فن ولا احترام للمسرح. وهم ذاتهم الجمهور الذي يرفض إسفاف الدراما الخليجية والعربية ورداءة صناعتها وضآلة نجومها الذين لا يملكون فناً غير فن التجميل وعمليات التجميل. وفي حقيقة الأمر إن الجمهور يريد فناً يليق بعقولهم ويحترم خصوصية مجتمعهم، ولا يصفق طويلاً لفن لا يعرف إلا الارتجال والضحك الإجباري! في أبسط قواعد الفن الحقيقي الذي يعتد بكونه نابعاً من أرضية جماهيرية صلبة، أن يحترم قيمة الفن ودوره الاجتماعي المؤثر، وحقيقة الرسالة الإنسانية التي يهدف إيصالها هنا فقط سيجد الفن جمهوره المخلص والمشجع والمتأثر بفحوى الرسالة وعمقها. مع هذا الفن المؤثر والمتأثر برسالة هادفة ومهمة سيكون هناك الحاضنة الاجتماعية التي تدعم تطوره ونجاحه وتألقه حتى يقف واثقاً مثبتاً بواقع جميل يسعى دائماً للأفضل والأبسط والأنقى. وهذا كان تاريخ عبدالحسين عبدالرضا، فقذ قدم فناً راقياً وبسيطاً وجمهوراً محتضناً، ونحو الأفضل فكانت النتيجة تاريخا حافلا بالكوميديا العفوية والنصوص التي تتلمس روح الجمهور واهتماماته. واليوم بعد تواتر رحيل أصحاب الفن الأصيل أصبحت الساحة متاحة، وتتسع لمنافسين أذكياء، يبنون فوق ما بناه جيلاً سيفهم ويستغل نجاحهم ويستثمره لصالح الفن الأصيل. فليس من الفن أن تُبتذل مفردات الحوار بين الفنانين، وليس من الفن أن الانحدار إلى لغة الشتم من أجل أن يضحك الجمهور ضحكاً هستيرياً مفتعلاً، وليس من الفن التصنع، وارتداء أزياء النساء والبحث عن ابتسامة مغتصبة، فما يجري اليوم لا يمكن أن يكون فناً أبداً.. إنه محاولة لبث الضحك في شارع تم اختزاله في مجرد عرض مسرحي لا أكثر من ذلك. فالفن الذي مارسه جيل «عبد الحسين عبدالرضا» كان فناً جميلا، ويهتم بعفوية الضحكات وانفعالاتها اللاإرادي برقي وتحضر. وما يلفت في سيرة الفنان الراحل أنه لم يُزح حياته الخاصة في الفن أو الإعلام، كان احترامه وتقديره لأسرته واضحاً، فهو لم يعرضهم على أغلفة المجلات، ولم يرتكب حماقة إنه متاح لجمهور لا يعنيه أبداً من هم أبناؤه ومن هي زوجته. وهذا ما يؤكد حقيقة كونه شخصاً احترم فنه واحترم إنسانيته، ولم يركض خلف أضواء مزيفة، رغم كل الفرص التي أتيحت له. رحم الله عبدالحسين عبدالرضا رحمة واسعة. ولعل تاريخه كفيل بولادة نجوم على شاكلته.