كُثر في العرب أولئك الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً. ومن يهدي من أضل الله. الضلال ضلالان. أحدهما قد يعود الضال فيه إلى الهدى وهو إضلال الشيطان للإنسان. ولكن حين يضل الله المرء، فذلك الضلال البعيد الذي لا رجعة عنه أو فيه. أولئك الذين أضلهم الله فأصمهم وأعماهم، أولئك الذين ختم الله على قلوبهم وجعل على أبصارهم غشاوة وفي آذانهم وقراً. هؤلاء مثل قوم نوح الذين قال عنهم: وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكباراً، أولئك الذين (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَ?كِن لَّا يَشْعُرُونَ)، «سورة البقرة: الآيات 11-12».. وتلك صفات وخصال المنافقين الذين توعدهم الله عز وجل بالدرك الأسفل من النار. وهناك فهم خاطئ وضيق للنفاق عندنا. وهو أن النفاق هو أن تمدح شخصاً بما ليس فيه خوفاً أو طمعاً أو اتقاء لشره أو طلباً لخيره. لكن النفاق أوسع من هذا بكثير. فهو كذب الحديث وخلف الوعد وخيانة الأمانة والغدر في العهد وفجور الخصومة. وهذا لعمري ما يتصف به جل العرب. فأنت لا تقرأ ولا تسمع إلا كذباً ولا ترى من يلتزم بما اتفق عليه ولا ترى شرفاً في الخصومة ولا ترى وفاء بوعد ولا أداء للأمانة.. لا تكاد ترى في هذه الأمة التعيسة طرقاً مستقيمة مضيئة وإنما هي دائماً منحنيات ومرتفعات ومنخفضات ومنعرجات وظلام دامس وظلمات بعضها فوق بعض حتى أن المرء إذا أخرج يده لم يكد يراها. والأمة المنافقة لا بد أن تغيب فيها الحقائق وتشيع الأكاذيب وتسمى الأشياء بغير أسمائها فتقول قطر إن المقاطعة حصار، وتقول إن دعمها للإرهاب ليس سوى جهاد في سبيل الله بالمال. كل الأمور في أمة النفاق مختلطة. كل الأوراق مختلطة، فالإرهاب جهاد، والكذب سياسة، والمكابرة والعناد سيادة، وزعزعة استقرار الجيران شأن داخلي، أي أن تدخل قطر في الشؤون الداخلية للدول شأن داخلي لها لا يحق لأحد أن يتدخل فيه. والحق أننا إذا فاضلنا بين شرين، فإن الكفر أفضل من النفاق. فالكافر ظاهره كباطنه. ضلال في الداخل والخارج، لكن المنافق ظاهره الخير والرحمة وباطنه فيه الشر والعذاب. الكافر لا يحيرك ولا يؤرجحك معه. ويجعلك تحسم أمرك وتتخذ قرارك معه أو ضده. تكفر معه أو تتجنبه. جسده شر وثوبه شر، جسده شيطاني وثوبه شيطاني، أما المنافق فإن جسده شيطان وثيابه ملاك. وهذه حال جل العرب، لا تعرف الوطني من الخائن. ولا تعرف التقي من الفاجر أو البر من الفاجر يعجبك قولهم في الحياة الدنيا ويشهدون الله على ما في قلوبهم وعندما يتولون عنك أي يولونك أدبارهم أو يتولون أمراً يفسدون في الأرض ويهلكون الحرث والنسل. كل منهم يعطيك من طرف اللسان حلاوة ويروغ منك كما يروغ الثعلب. وهكذا هم «الإخوان». ثياب ملائكة وأجساد شياطين. وهم الذين نشروا في الأمة دعوة النفاق. وكل الدول التي يسيطر «الإخوان» على مفاصلها وقرارها دول منافقة. وعندما أباحت الدولة التونسية مثلاً زواج المسلمة من غير المسلم وساوت في المواريث بين الرجال والنساء، فإن السؤال ليس لماذا فعلت الدولة التونسية ذلك؟ هذا شأنهم ولا تعليق لنا عليه. لكن السؤال الأهم والأكثر إلحاحاً: لماذا لم تعلن حركة النهضة «إخوان تونس» انسحابها من الحكومة الائتلافية التونسية؟ أليس رأيها كرأي الذين يرون أن الدولة التونسية خالفت معلوماً من الدين بالضرورة. وناقضت نصاً شرعياً صحيحاً؟ لكن السلطة هي ضالة «الإخوان» أينما وجدوها ركبوها وليس للدين نصيب في جماعتهم. إنهم ليسوا «إخواناً مسلمين»، كما تقول لافتتهم الكاذبة، بل هم إخوان الشياطين. يساومون على أي شيء من أجل السلطة، وعندما حكموا مصر في غفلة من الزمن ومن شعب الكنانة المخدوع أباحوا، فوائد قروض صندوق النقد الدولي وكان عندهم قبل السلطة حراماً. وتركوا تجارة الخمور وكانت عندهم قبل السلطة حراماً. وحافظوا على معاهدة السلام مع إسرائيل وكانوا قبل الحكم يرفضون الصهاينة أعداء الأمّة والدين. ويمكن تأليف مجلدات ضخمة في تناقضات «الإخوان»، التي يسمونها مواءمات. يمكن تأليف مجلدات في قدرات «الإخوان» على التحالف مع الشيطان من أجل السلطة والحكم. يمكن كتابة أسفار ضخمة عن تحالف «إخوان السنة» و«إخوان الشيعة» رغم تبادل الهجوم والتكفير في العلن. وهذا ما تفعله قطر في ظل احتلال الإخوان لها.. سواء إخوان إيران أو إخوان تركيا أو إخوان مصر أو إخوان نصر الله أو إخوان إسرائيل.. كل هؤلاء نسخ من الماسون. كل نسخة تلائم مجتمعها، والتوصيف الدقيق لقطر ليس أنها دويلة «إخوانية» أو ولاية إيرانية أو مقاطعة تركية أو كازينو إسرائيلي ولكنها دويلة ماسونية.. والنظرة الضيقة ترى أن الأضداد مجتمعون في قطر.. لكن الحق أنهم ليسوا أضداداً بل هم نسخ أو طبعات من كتاب ماسوني واحد.. وجل العرب سطحيون، فإذا قلت إن قطر أو قرار قطر يتخذ في تل أبيب وطهران وأنقرة والتنظيم الدولي للإخوان يقولون لك: ما هذا الهذيان؟ إنك تهرف وتخرف.. كيف يصدر المتناقضون قرار قطر..؟ وعبثاً تحاول إقناع السطحيين بأن هؤلاء ليسوا أعداء ولا متناقضين وإنما هم أبناء رحم واحدة هي رحم الماسون وأن الناس في أمة العرب يعلمون ظاهراً مخالفاً للباطن.. وأن الماسون يحكم العالم الآن من شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه.. وأن الدين.. أي دين لا يعني الإخوان في شيء.. وإنما هو كما يقول المصريون «عدة نصب واحتيال».. فهم يسرقون باسم الله ويقتلون باسم الله ويعيثون في الأرض فساداً باسم الله ويتحالفون مع الشيطان باسم الله. أنظر إليهم في تركيا وهم يقولون إنهم يحكمون دولة علمانية.. وهم أساساً يرون أن العلمانية كفر وأنها تعني الإلحاد. لا دين في عرف الماسون مهما كانت النسخ والأدعية والأذكار دينية. "الإخوان" هم الذين رسخوا مقولة كارل ماركس، وهي أن "الدين أفيون الشعوب"، أي أنهم جعلوا الدين مخدراً لتغييب الشعوب وقيادتها إلى الهاوية التي يريدون. وجعلوا الدين وسيلة لغاية شريرة. وجعلوه مطية يمتطونها إلى أهدافهم المدمرة. فلا تفتش عن قطر فهي بلا قرار ولا حول ولا قوة. وإنما فتش عن "الإخوان" في كل الألوان!