بالتزامن مع اليوم العالمي للأعمال الإنسانية، أصدرت منظمة الصحة العالمية الأسبوع الماضي تقريراً أظهر مقتل 418 وإصابة 561 من العاملين في قطاع الرعاية الصحية، نتيجة تعرض المنشآت الصحية لأكثر من 300 هجوم واعتداء خلال 2016، في 20 دولة حول العالم، الغالبية العظمى منها في أفريقيا والشرق الأوسط. وتنوعت وتعددت أشكال تلك الهجمات والاعتداءات، وإن كانت التفجيرات والقصف بالقنابل قد حظيا بنصيب الأسد، بنسبة 75 في المئة أو ثلاثة أرباع، وتلاهما تعرض المنشآت الصحية لإطلاق الرصاص بنسبة 7 في المئة، ثم النهب والسلب بنسبة 6 في المئة، ومن بعد ذلك بنسب صغيرة: الاعتداء البدني، والحرق العمد، وتهديد وترويع العاملين. وخارج نطاق الضرر المباشر الذي يقع على تلك المنشآت الصحية، والإصابات والوفيات التي يتعرض لها العاملون فيها، غالباً ما تنتج عن تلك الهجمات آثار وتبعات تطال جميع أفراد المجتمع، وخصوصاً حرمانهم من الرعاية الصحية الطارئة والضرورية في وقت هم في أشد الحاجة إليها. وعلى رغم أن هذه التبعات لم توثق وتقدر حتى الآن بشكل جيد، فإن المتفق عليه هو أنها دائماً ما تكون فادحة الثمن، حيث تؤثر في المدى القصير على قدرة نظم الرعاية الصحية والعاملين فيها على توفير العناية الآنية والطارئة، وعلى المدى الطويل تؤثر هذه الاعتداءات على صحة جميع أفراد المجتمع، من خلال تعطيل وإعاقة جهود مواجهة قضايا الصحة العامة المزمنة فيه، وهو ما يؤدي أيضاً إلى تعثر الجهود الرامية إلى مواجهة القضايا الصحية الدولية. وربما كان أفضل مثال على ذلك هو تعرض القائمين على حملات القضاء على شلل الأطفال من خلال التطعيمات الطبية للقتل رمياً بالرصاص، أو بفصل رؤوسهم عن أجسادهم، وهذا العنف لا يؤدي فقط إلى تعثر جهود حملات التطعيم في المنطقة أو البلد المعني، وإنما يعوق أيضاً الهدف العالمي الرامي للقضاء على الفيروس، ويجعل شلل الأطفال خطراً قائماً، يهدد دول العالم قاطبة. وعلى الصعيد الفردي، تتسبب مهاجمة وقتل أو إصابة العاملين في قطاع الرعاية الصحية، في خسارة مورد بشري، استثمر فيه المجتمع سنوات طويلة من التعليم والتدريب، وهو ما يتجسد بشكل واضح في حالات الأطباء، الذين يستغرق تعليم وتدريب الواحد منهم قرابة ثلاثة عقود، منذ سن الطفولة حتى حصوله على شهاداته، وتمتعه بالعلم والخبرة الكافيين، كي يسدد دَينه لأسرته وللمجتمع. ويزداد الموقف تعقيداً في الدول التي تعاني من الأصل في وقت السلم من شح في أفراد الطاقم الطبي المدربين، من أطباء، وممرضات، وفنيين، وقابلات. وبالنظر إلى فداحة التبعات التي تنتج من الاعتداء والهجوم على المنشآت الصحية والطبية، شرع العديد من المنظمات الخيرية الدولية في وضع توصيات للحد من مدى هذه الهجمات والاعتداءات، وللتخفيف من تأثير تبعاتها. مثل إنشاء سجل وطني في جميع دول العالم، لجمع البيانات والمعلومات، ومقارنتها، وتوثيق تبعات الاعتداءات على نظام الرعاية الصحية بالتحديد، وعلى قضايا الصحة العامة إجمالاً. مع ضرورة تفعيل القوانين الدولية المتعلقة بحماية الأعمال والمساعدات الإنسانية، وسن تشريعات وطنية ومحلية، تُفعّل القوانين الدولية على أرض الواقع. ومن الضروري أيضاً التوجه إلى المجتمع المحلي، لمد يد العون والمساعدة في حماية منشآت الرعاية الصحية وقت السلم ووقت الحرب، مع تنفيذ حملات التوعية للعامة بالتبعات التي ستنتج من تدمير البنية الصحية للمجتمع، أو نتيجة قتل وإصابة أفراد الطاقم الطبي القائمين على تقديم هذه الرعاية. ويظل برنامج المستشفيات والمنشآت الصحية الآمنة (Safe Hospitals Programme)، الهادف إلى استمرار المنشآت الصحية في تقديم خدماتها، وقت الحروب والصراعات المسلحة، وفي زمن الكوارث، من البرامج التي تُحتذى لتحقيق هدف خفض ما يعرف بوفيات ما بعد الكارثة، التي لا تنتج عن الكارثة نفسها، أو عن الحرب ذاتها، وإنما من التبعات التي تليهما. وعلى رغم أن هذه التبعات تختلف أشكالها، وتتنوع أساليبها في إحداث المزيد من الوفيات، فإن انتشار الأمراض المعدية هو أكثر أساليبها وطأة، وأشد أسلحتها فتكاً. وخطر أوبئة الأمراض المعدية هذا، بعد الكوارث الطبيعية أو في زمن الحروب، يعتبر وجود نظام رعاية صحية قائم وفعال من خلال منشآته وأفراده، هو خط الدفاع الأول والأهم لدحره.