في ورقة لرئيس تحرير مجلة «أميريكان أنتريست» آدم غرفنكل عن سياسة الولايات المتحدة الأميركية منذ النصف الثاني من القرن العشرين مع من وصفهم الحلفاء/ الأعداء، التي قارن فيها بين علاقة الولايات المتحدة الأميركية بكل من السعودية وباكستان ومصر وقطر، ومقارنة علاقة الدولة العظمى بهذه الدول أثناء الحرب الباردة، وبعد تفكك الاتحاد السوفييتي، إلى اللحظة الراهنة. هذه الورقة وما جاء فيها كانت محل نقاش في مركز دربة بدبي في الثالث من أغسطس الماضي، بين الكاتب وبين مجموعة من الخبراء والباحثين الخليجيين والعرب والأوروبيين متعددي وجهات النظر. غرفنكل في العقد السادس من عمره، وهو شخصية سياسية مرموقة، كان واحداً من مستشاري وزير الخارجية الأميركي الأسبق كولن باول في الملف الأفغاني الباكستاني، كما أنه أحد الخبراء الكبار المدربين على كتابة المقالة السياسية. خلاصة ما دار خلال ساعة ونصف يؤكد أن الحوار لطالما أسهم في تنوير من لا يعرفون تفاصيل ما يجري في الخليج، وإدراك الفروق والاختلافات. خصوصاً أولئك الأصدقاء الذين يمكنهم أن يختلفوا معنا في 20%، ولكنهم مؤمنون بأننا حلفاء جيدون يمكن الوثوق بهم. وحتى اليوم منذ اندلاع الأزمة الخليجية نهاية شهر يونيو الماضي، وعموم الصحافة والخبراء الغربيين لا يكادون يجدون فرقاً بين السعوديين والقطريين إلا النادر. وثمة نقطة معتمة لم يتنبه إليها كثير منا وهي موقف الشرق وآسيا منا، مثلاً الروس والهنود والصينيون. نحن انشغلنا كثيراً بنظرة ومواقف الاتحاد الأوروبي والصحافة والساسة الأميركيين أكثر من اهتمامنا بمواقف آسيا والدول الكبرى فيها التي لها تأثير عميق على دول آسيوية تدور في فلكها وتحذو حذوها. والحقيقة أننا لا يمكن أن نجد في هذه الدول تعاطفاً أو تفهماً كما نجده عند أصدقائنا الغربيين رغم كل ما لا نحب سماعه فيما يكتب ويذاع غربياً. وعدم التقاطنا لضوضاء عالية ضدنا من الشرق لا يعني أنهم سادرون. وهم دائماً أكثر وضوحاً من أصدقائنا وحلفائنا الغربيين وأكثر خشونة أحياناً. ولكن تحت تلك السحنات الجامدة والهادئة خزان من الآلام والشكوك والغيوم الملبدة، فكل هذه الدول لديها مسلمون وهي تعيش أزمات معهم وتوتراً بين الفينة والأخرى، والخليج والسعودية خصوصاً حاضرة في كل جدال. أما نحن الخليجيين، فإن الفروق بين الحلفاء الأشقاء مهمة للغاية، فهي تجعلنا أكثر صدقاً وواقعية، ونبدو أكثر طبيعية. وهذا يجب أن نعرفه نحن الخليجيين أصالة إماراتيين وسعوديين. التماهي في مواقف الكتاب والمثقفين مما يجري في تفسير أسباب ما حصل ليس أمراً جيداً، إنه يبدو توافقاً وتطابقاً ولكنه ليس إلا تملقاً للذات في إهاب توافق، ودفناً لكل ما يزعجنا مواجهته، وعلى الإماراتيين والسعوديين أنفسهم مثقفين وباحثين أن يتولوا بأنفسهم شرح هذه الاختلافات. هنا نكون طبيعيين. أخيراً آدم غرفنكل هو مثال للخبراء الأميركيين الذين يتخذون موقفاً إيجابياً ومؤيداً للخطوات الإصلاحية التي اتخذتها دول الخليج، ولكنه شأن أي باحث مرموق لا يمكنه أن يكون مردد أقوال أو ناشر دعاية، أو بلبلاً صداحاً بما نحب سماعه. ولهذا فمن يتأمل بإمعان ما تنشره وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات الفضائية العربية/ الخليجية منذ اندلاع الأزمة يصاب بخيبة أمل. فكل ما تعلمناه، وكل ما نتبجح به من معرفة الذات وإدراك نواقصها، لم يسعفنا في الاعتراف بإخفاقاتنا وذنوبنا التي اقترفناها، كل هذا ذهب أدراج الرياح. كوننا في ظروف استثنائية لا يبرر ما وصل إليه مستوى الإعلام والصحافة من ضحالة. نحن في حاجة ماسة إلى الاستماع إلى وجهات النظر، حتى تلك التي لا تعجبنا، إننا أحياناً نكون مضطرين إلى الاستماع إلى تهم بالغة الأذى، وشائعات لا حقيقة لها، لكي نحسن التعامل معها. ----------------- * كاتب سعودي