تعرضت مدينة برشلونة لاعتداء إرهابي بعدما قام سائق سيارة بدهس حشود، ما أسفر عن مقتل 14 شخصاً، وإصابة العشرات في منطقة سياحية مزدحمة. في الواقع لم تتوقف الهجمات الإرهابية منذ ما يقرب السنة ونصف السنة. في أوروبا بمدينة نيس الفرنسية يوليو 2016م تعرضت حشود للدهس بشاحنة، مما أسفر عن مقتل 86 شخصاً وإصابة عشرات آخرين، وأعلن تنظيم «داعش» مسؤوليته عن الهجوم، ثم في برلين في موسم أعياد الميلاد، وانتقلت حوادث الدهس إلى بريطانيا، ثم تعرضت العاصمة السويدية ستوكهولم لعملية دهس، وفي 3 يونيو 2017 قاد ثلاثة إرهابيين شاحنة نحو المشاة على جسر لندن. والسمة الأبرز لهذه الهجمات أن أغلبها عمليات دهس تُنفذ بوساطة ما يُسمى «الذئاب المنفردة»، وهي ما تعد من أسهل وأبسط العمليات الإرهابية، فلا حاجة إلى أسلحة وذخيرة ومتفجرات، ومصطلح الذئاب المنفردة يشير إلى أشخاص يقومون بعمليات مسلحة بوسائل مختلفة بشكل منفرد بدوافع عقائدية أو اجتماعية أو نفسية أو حتى مرضية، دون أن تربطهم علاقة واضحة بتنظيم ما، فيصبح هؤلاء ذئاب منفردة يقتلون ويفجرون ويدهسون الناس في الأماكن المزدحمة، ثم يُقتلون أو يُعتقلون، وبعد ذلك يعلن تنظيم «داعش» عن مسؤوليته عن تنفيذ العملية دون أن يعرف من هم هؤلاء الأشخاص. تشير الدراسات إلى أن التنظيمات الإرهابية تمكنت من تطوير استراتيجيات مضادة للحرب على الإرهاب التي تقودها الدول ضدها بما يمكن تسميته باستراتيجية «الجهاد الاقتصادي»، أو «استراتيجية النزف أو استراتيجية الألف جرح»، وهي استراتيجية متطورة تركز على استهداف المصالح الاقتصادية في الدول المستهدفة من أجل استنزافها وإرهاقها، وتقوم هذه الاستراتيجية على أساس توجيه ضربات صغيرة ومتتالية لاستنزاف الخصم بمعنى أن الهدف ليس العملية الصغيرة، بل الهدف هو ما يترتب من نتائج بعد حدوث هذه العملية وتكرارها، والتي سيكون من نتائجها بث الرعب، والأعباء المالية، واستنزاف الموارد في محاولة تتبع «الذئاب المنفردة»، ويرجع تكتيك «الذئاب المنفردة» لسلسلة مقالات كتبها القيادي في تنظيم «القاعدة في اليمن»، أنور العولقي في مجلة «إنسباير» الناطقة باسم تنظيم «القاعدة»، حيث شرح هذا النوع من العمليات والأهداف المحتملة، حيث يقول: «لا نحتاج إلى عملية كبيرة لضرب العدو، فهدفنا من مهاجمته هو استنزافه حتى الموت.. عبر استراتيجية الألف جرح»، وتكمن خطورة هذا النوع من العمليات بأنه يصعب اكتشافه، ويزداد أمرها تعقيداً إذا كان منفذوها مواطنين غربيين ممن ليست لهم سوابق «جهادية». وفي دراسة غربية بعنوان «ظاهرة الذئب المنفرد: تقييم الملفات الشخصية»، حاولت دراسة وتحليل أسباب نشوء الظاهرة ودوافع مواطنين يقدمون على ممارسة العنف المنفرد ضد مجتمعاتهم، فضلاً عن ملامحهم الشخصية والنفسية من خلال دراسة على ثلاث حالات عملية لـ«ذئاب منفردة»، أمكن من خلالها وضع استنتاجات وخلاصات نظرية من خلال تحليل الحالات الثلاث السابقة، أمكن إثبات أنه من الصعب وضع أنماط ثابتة للذئاب المنفردة، لأن هذا قد يجعلنا نغفل عن عدد كبير من الإرهابيين قيد التشكيل، فهي ظاهرة متعددة الأبعاد كذلك بأنه وبغض النظر عن نشأة الذئب المنفرد الاجتماعية (منعزل/ اجتماعي)، فإنه غالباً ما يتعرض لحزمة من الأزمات والصراعات الاجتماعية على مدار حياته بشكل متصاعد، تؤدي إلى جنوحه نحو التطرف، فبنسبة كبيرة من الذئاب المنفردة هم أشخاص لفظهم المجتمع كما استنتجت الدراسة، بينما أكدت دراسة أخرى أن الهجمات التي يقوم بها مهاجمون منفردون يُفضل أن تُسمى «الكلاب الضالة» لأنها تظهر مستوى متدنياً في التنظيم والتنفيذ. لذا وبغض النظر عن التداول المتصاعد لمصطلح «الذئاب المنفردة»، فإن استخدام مصطلح «الكلاب الضالة» أفضل من ناحية تسمية الأمور بمسمياتها، وعدم تفخيم الأفعال الإرهابية، وتمجيد الإرهابيين ولو بغير قصد، فهم «كلاب ضالة» في مجتمعاتها تعرضت لغسيل أيديولوجي يتمثل في «الجهاد التكفيري» لتنتج رفضاً للمجتمع وإرهاباً باسم الدين. عائشة المري* *كاتبة إماراتية