«الوسيلة هي الرسالة» عبارة صاغها مارشال ماكلوهان، وهي تعني أن شكل الوسيلة يتضمن نفسه في الرسالة ويخلق علاقة تكافلية معها، أي أن الوسيلة هي الرسالة نفسها، و«مضمون أية وسيلة هو أيضاً وسيلة أخرى». الإعلام كما يُعَرَف هو وسيلة لنقل الحقائق للجمهور، وعندما يفقد الإعلام رسالته هذه ويتحول بوسيلته ومضامينه إلى «دعاية» تتغير مساراته ومضامينه لتؤثر سلباً في توجهاته، ومن ثم لم تعد رسالته إعلامية. هذا ما حدث لإعلام قطر وبالذات لقناة «الجزيرة»، التي كسرت عصا القياس وتحول إعلامها إلى دعاية؟! إذا أردنا تحليل المضامين الإعلامية للإعلام القطري المتلبس في «الجزيرة» لن تجد رسالة إعلامية مفيدة مقدمة للجمهور الخليجي والعربي، الذي كان في فترة سابقة جذبته النقاشات الحادة وخاصة «الاتجاه المعاكس» والمشاكس، الذي فشل في تقليد برنامج «لاري كينج» الأميركي في CNN. مع تقديم قناة «الجزيرة» برامجها المتكررة، وغياب «المصداقية»، وهي معيار الثقة التي يضعها المشاهد في قناته، فقد تقلصت أخيراً نسبة عالية من مشاهديها، لسببين اثنين: فقدان نسبة الحيادية في نقل الرسائل التي ظَهَرت في أيام «الخريف العربي» وانحيازها بشكل سافر وفج، لدول على حساب دول، وحزب على حساب آخر. وأبرزت صورة لـ«الإخوان المسلمين» مثالية دون أن تمسهم بإشارة، بينما جلدت تيارات ودول من خصومها. خير مثال، ما كشفته التقارير عن دعمها، لتنظيم «الإخوان» في الإمارات التي تحدث عنها السيد عيسى السويدي باعترافاته على قنوات الإمارات. بمسحة إعلامية، لحظية، يمكن رصد انحياز «الجزيرة» بوضوح، خاصة عند رصدها ما يجري في مصر ومقارنته بما تنقله عن تركيا وإيران، بينما لا تتطرّق القناة للمحليات في قطر، لتؤكد مبدأ الصدقية والعدالة الإعلامية. هذه صورة سلبية منحازة جداً، وثمة مثال على ذلك: حصل حريق هائل في أحد الأبراج بقطر واستمر لساعات طويلة، و«الجزيرة» ذكرته خبراً عابراً دون صورة حية أو ميتة عنه، بينما تنقل صورة حية لخبر بسيط من الخارج! في مقابل هذه الصورة غير المنصفة إعلامياً، تطالعنا صورة إعلامية مهنية في دولة الإمارات العربية المتحدة، صورة ذات مصداقية تحترم جمهورها الذي من حقه أن يعرف الرسالة الإعلامية. تم نقل حريق فندق «ذي آدرس» بتصوير حي لعمل فريق الإطفاء الذي أنهى الإطفاء بحرفية عالية، خلال ساعتين، وتم إنقاذ جميع النزلاء بعناية فائقة، ودون أَذى. جمهور الإمارات وخارجها شهدوا هذه العملية، كأنها فيلم ممتع، ببطولة فريق الإطفاء، بمتابعة حثيثة من سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، ونالت هذه الصورة إعجاب وإشادة عالمية وبعض الذين تسرعوا في الحكم على الحادث قد خاب ظنهم، لسرعة إطفاء الحريق. والسبب الثاني لتقلص جمهور «الجزيرة»، بشكل لافت، هو ظهور قنوات منافسة ذات مصداقية عالية مثل «سكاي نيوز عربية» و«العربية» و«فرنسا 24». بعد سنوات من «التضليل الإعلامي» المبرمج، لم يكن يتوقع الجمهور العربي من هذه القناة، أن تخدعه، بتبني «أيديولوجية وأجندة» بعيدة عن تطلعاته. ومن أبشع هذه الصور، تلك التي كوّنت (الجزيرة) منها جمهوريات الشارع، موازية للنظام الشرعي لتكون مطية للوصول إلى فوضى الشارع، ولو أدى إلى تمزيق البلدان، لتخلق وضعاً جديداً يمهد لمجيء «الإخوان المسلمين»، وبذلك تحقق الدوحة حلمها ومن ورائها أسيادها دون أدنى حساب للمصالح العليا للشعوب العربية ووحدتها، وشاءت الأقدار أن تنكشف حيلتها. كيف بانت صورة قطر باهتة أمام الرأي العام العربي والدولي، دولة موسومة بالإرهاب. هل فكرت قطر كم عليها أن تصرف لتعيد صورتها السابقة. في الإعلام الصورة السلبية هي التي تعلق في أذهان الناس، فليس سهلاً، إحلال صورة إيجابية مشرّفة خالية من النقاط السوداء التي علقت بها!