جاءت توجيهات المغفور له، بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، في تأسيس الأرشيف الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة في عام 1968، باسم «مكتب الوثائق والدراسات»، ثم صدور القانون الاتحادي رقم 7 لإنشاء «المركز الوطني للوثائق والبحوث» في عام 2008، ثم القانون الاتحادي رقم (1) لسنة 2014 وتحويل اسمه إلى «الأرشيف الوطني»، ترجمة حقيقية لحرص القيادة الرشيدة على جمع وترجمة الوثائق الخاصة بتاريخ شبه الجزيرة العربية وثقافتها عموماً، ودولة الإمارات العربية المتحدة على وجه الخصوص. ويلعب الأرشيف الوطني لدولة الإمارات دوراً مهماً في توثيق تاريخ الدولة، وإتاحته لمتخذي القرار والباحثين. وهو يعدّ الجهة الرسمية المسؤولة في إمارة أبوظبي، التي تقوم بنشر بحوث ودراسات تاريخية موثّقة، تتعلق بدولة الإمارات وشبه الجزيرة العربية، إضافة إلى نشر الترجمات العربية للأعمال التاريخية، وجمع الذكريات الإنسانية التي سبقت تاريخ الكلمة المكتوبة في الدولة، والحفاظ على التراث الوثائقي لتقديم المعلومات الموثقة والأمينة، تعزيزاً لروح الانتماء والهوية الوطنية لدى أبنائها. وفي سابقة هي الأولى عربياً وخليجياً، وقّع الأرشيف الوطني مؤخراً اتفاقية تعاون مع نظيره البريطاني في لندن، لتنفيذ الأرشيف الرقمي للخليج العربي، في خطوة توفّر وثائق المنطقة على الإنترنت؛ عبر إنشاء بوابة رقمية تتيح في المرحلة الأولى، والتي تستغرق 18 شهراً، نصف مليون وثيقة وصورة للباحثين والمهتمين على الشبكة الإلكترونية، كرافد من روافد المعلومات الموثقة، حول تاريخ المنطقة، تبدأ عام 2017، وتنطلق يوم العيد الوطني لدولة الإمارات في عام 2018. لقد جاء التعاون في مجال الأرشفة الرقمية مع الجانب البريطاني، نظراً لكون الأخير يملك وثائق ستنهض جنباً إلى جنب مع الوثائق الموجودة في الأرشيف الوطني حول تاريخ الدولة والمنطقة، ما يشكّل إضافة نوعية إلى البحث العلمي، في مجال التاريخ والتوثيق، على نحو يسجل كمرحلة فريدة لدعم وتطوير الوعي الكافي بالتاريخ، بوثائق ستكون متاحة للبحث والتحميل وفق شروط مناسبة، وقد تتوافر باللغة الإنجليزية فقط، مع ترجمة ملخصاتها، أو ترجمة نصوص كاملة في بعض الحالات، إضافة إلى أن هذه الترجمات ستتاح للتحميل مع صور من الوثائق الأصلية، وإضافة خيار اللغة العربية، كقناة أخرى لنشر محتوى الأرشيف الوطني البريطاني. سيتضمن الأرشيف الرقمي كلّ وثائق الخليج العربي على الإنترنت، ليصبح المصدر الرئيسي لتاريخ وتراث المنطقة؛ ما سيمكّن الباحثين في دولة الإمارات من الوصول إلى المصدر الأولي الموثوق به للمعلومات والبيانات التي يحتاجون إليها إلكترونياً، ليحقق الريادة لدولة الإمارات في توفير البيانات التاريخية في عصر الابتكار وتكنولوجيا المعلومات، تعزيزاً لتوجهات الدولة في توثيق منجزات الأب المؤسس، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، وقدرته العبقرية في إدارة الأزمات وإدارة الموارد، وجهوده مع إخوانه حكام دولة الإمارات في تأسيس الدولة والنهوض بها. ستشمل المرحلة الأولى من المشروع تعاون الأرشيفين الإماراتي والبريطاني على إنشاء بوابة رقمية تتيح نصف مليون صورة عالية الجودة من سجلات دولة الإمارات، وإمارات الساحل المتصالح، إضافة إلى تعاونهما في مجال الثقافة والتراث، ما يسهم في حفظ الثقافة الفريدة لدولة الإمارات، وتراثها، وتقاليدها، ويعزز التراث المشترك، ويوفر منبراً لزيادة الوعي العالمي بتاريخ الدولة، ويشكّل نقلة مهمة في السياسات التي تنتهجها الدولة نحو اقتصاد المعرفة. إن نظام الأرشفة الإلكتروني، سواء كان وطنياً أو إقليمياً، فإنه يعبر عن النهج الذي تتبعه دولة الإمارات في بناء نظام وطني متكامل، ويوفر البيانات التي تفيد الباحثين عن المعلومات والوثائق، وهو دليل ناصع على أن الدولة حريصة على بناء عملية التفاعل معهم، إيماناً منها بتوفير كل سُبل المعرفة والابتكار والتنافسية، وهو ما عبر عنه تبوء دولة الإمارات المركز الأول عربياً، والـ34 عالمياً في تقرير مؤشر الحكومة الإلكترونية 2017، الصادر عن معهد الحكومة الإلكترونية بجامعة «واسيدا» اليابانية، أغسطس الجاري. فنجاح الحوكمة الإلكترونية يقوم على وجود إدارة إلكترونية تعتمد على برامج أرشفة إلكترونية متكاملة، وأسس تنظيمية ورصيد معرفي ومعلوماتي يتوافر في الوثائق الأرشيفية، لتكون الانطلاقة الحقيقية للتحول نحو فضاء رقمي، يحفظ للأجيال اللاحقة القيمة الثقافية والتاريخية لدولتهم ومنطقتهم على حدٍّ سواء. ـ ـ ــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.