جاء توصيف الرئيس الأميركي «دونالد ترامب» نهاية الأسبوع الماضي، لمدى انتشار إدمان مسكنات الآلام ومشتقات أو «شبيهات الأفيون» (Opioid) في المدن والولايات الأميركية، بأنه «طارئ وطني»، ليلقي بالضوء على حجم هذه المشكلة الصحية الاجتماعية، التي أصبحت تنخر في النسيج المجتمعي بشكل أصبح يوصف بأنه خطر على الأمن القومي الأميركي. ويكفي لإدراك حجم هذه المشكلة حالياً، أن نعلم حقيقة أن 90 أميركياً يلقون حتفهم يومياً نتيجة تناول جرعة زائدة من مشتقات الأفيون، ضمن 142 أميركياً يلقون حتفهم يومياً بسبب المخدرات بمختلف أنواعها. وبحسبة بسيطة، يمكن إدراك أن عدد الأميركيين الذين يلقون حتفهم في (الشهر الواحد)، سواء جرّاء جميع أنواع المخدرات أو حتى من مشتقات الأفيون فقط، يزيد على عدد من يعتقد بأنهم لقوا حتفهم في الهجمات الإرهابية في 11 سبتمبر عام 2001 على مركز التجارة العالمي بمدينة نيويورك، والذي يقدر بنحو 2606 أشخاص، داخل وخارج المبنيين الشهيرين. وبحسبة بسيطة أخرى، وبناءً على أن تلك الهجمات قد مر عليها 16 عاماً، يزيد عدد الوفيات بسبب إدمان مشتقات الأفيون فقط، على عدد الوفيات التي كانت ستنتج لو تعرضت الولايات المتحدة خلال السنوات الماضية لـ192 هجمة إرهابية مطابقة كلها لهجمات 11 سبتمبر. ومشتقات أو شبيهات الأفيون، هي مجموعة من المواد الكيميائية المنتمية إلى طائفة العقاقير المسكنة للآلام، وتطلق عليها هذه التسمية لأنها تؤثر جميعها على نفس المستقبلات العصبية التي تتأثر بالأفيون والهيروين، ويطلق عليها «مستقبلات الأفيون»، وتوجد هذه المستقبلات بشكل واسع في المخ، وأيضاً في الحبل الشوكي، وفي الجهاز الهضمي. وتستخدم هذه العقاقير بشكل واسع في المجال الطبي لتسكين الآلام الحادة والآلام المزمنة، وفي عمليات التخدير قبل العلميات الجراحية، وأحياناً ما تستخدم في علاج حالات خاصة من الإسهال أو لعلاج الكحة، لكن نتيجة ترافق التأثير الطبي لتلك العقاقير بإحساس بالنشوة والسعادة، أصبحت من أكثر أنواع العقاقير الطبية التي يساء استخدامها من قبل المدمنين. ويُرد السبب خلف ما أصبح يعرف حالياً بوباء مشتقات الأفيون أو «أزمة الأفيونيات» إلى فرط صرف هذه الأدوية من خلال وصفات طبية كمسكنات للآلام خلال عقد التسعينيات، وهو ما جعل هذه الطائفة من العقاقير الأكثر وصفاً وصرفاً بين جميع أنواع وطوائف العقاقير كلها، ولدرجة أنه في عدد الوصفات الطبية لمشتقات الأفيون يقارب على 300 مليون وصفة أو روشتة سنوياً، وجاء هذا الانفجار في الوصفات الطبية –إن صح التعبير- على خلفية الدراسات التي أظهرت أن 100 مليون أو ما يعادل ثلث الشعب الأميركي يعانون من آلام مزمنة، وهي الفرصة التي انتهزتها شركات الأدوية لتسويق منتجاتها وبيع المزيد من عقاقيرها، من خلال إعلانات مباشرة للعامة، وحثهم على مطالبة أطبائهم بوصف مشتقات أفيون لتخفيف آلامهم. وبالترافق مع ازدياد عدد الوصفات الطبية لمشتقات الأفيون بشكل هائل، زادت أيضاً قوة وتأثير أنواع العقاقير الموصوفة، لدرجة أنه في عام 2002 من بين كل ست وصفات، احتوت واحدة منها على عقار أكثر قوة ومفعولاً من المورفين، وبحلول عام 2012 تضاعفت هذه النسبة لتصل إلى واحدة من كل ثلاث. وبالنظر إلى أن عدد الوصفات الطبية حالياً لمشتقات الأفيون يبلغ نحو 300 مليون وصفة سنوياً، وبناءً على أن ثلث تلك الوصفات يحتوي على أدوية قوية التأثير، أصبح الأميركيون يستهلكون 100 مليون وصفة طبية سنوياً، لأدوية وعقاقير أكثر قوة ومفعولاً من المورفين نفسه. والمفارقة أن الدراسات الطبية الحديثة، أظهرت أن حجم الشكوى بين الأميركيين من الآلام مزمنة، لم يتغير عما كان عليه في التسعينيات، رغم هذا الفيضان والاستهلاك الجنوني لمشتقات أفيون يتصف ثلثها بقوة وتأثير أعلى وأشد من المورفين، وهو ما أدى إلى تغير تدريجي في الممارسات الطبية، وتأكيد البعض على أن مشتقات الأفيون ليست ذات جدوى في علاج الآلام المزمنة، باستثناء تلك الناتجة عن الأمراض السرطانية، في الوقت الذي تؤدي فيه هذه العقاقير لمعدلات مرتفعة من إدمان يعصف حالياً بالمجتمعات الأميركية، في المدن والأرياف على حد سواء. وبوجه عام يُعرّف الإدمان على أنه نوع من الاعتماد الشديد والحاجة المُلحة القهرية لتناول وتعاطي بعض المواد الكيميائية مثل الكحوليات، والتبغ، والهيروين، وغيرها كالعقاقير والأدوية ذات التأثير النفسي والعصبي، القادرة على العبور من الدم إلى المخ وتغيير البيئة الكيميائية الخاصة بالجهاز العصبي بشكل مؤقت، ويمكن أيضاً تعريف الإدمان على أنه الارتباط الدائم والمستمر بمادة كيميائية، أو نمط سلوكي معين، رغم الإدراك التام بالتبعات السلبية المصاحبة له.