بأثر رجعي، تبدو خطوط معركة الحرب الباردة - الغرب وحلف «الناتو» والديمقراطية في جانب، بينما الشرق وميثاق وارسو والديكتاتورية على الجانب الآخر، واضحة وحتمية، والنتيجة - وهي انهيار الاتحاد السوفييتي - تبدو الآن كما لو كانت قدراً محتوماً، ولكن في أوقات كثيرة من نصف القرن الذي استغرقته الحرب الباردة، كانت خطوط المعركة أبعد ما تكون عن الوضوح وكانت النتيجة في النهاية مشكوكاً فيها بشكل كبير، وبالتأكيد في أعقاب الحرب العالمية الثانية، عندما كانت الأحزاب الشيوعية لا تزال قوية، لم يكن من الواضح أن أوروبا سينتهي بها الحال في نفس المعسكر الأيديولوجي مثل الولايات المتحدة، وكانت سبعينيات القرن العشرين ضربة أخرى مؤلمة: ففي أعقاب حرب فيتنام، شكك حلفاء الولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم في الزعامة الأميركية، وكانوا يتظاهرون في السفارات الأميركية ويدعون إلى إغلاق القواعد الأميركية. وسعى الاتحاد السوفييتي إلى استغلال هذه اللحظات من الضعف. وبدءاً من أربعينيات القرن الماضي، قام بزراعة شبكة من الصحف والصحفيين الموالين للسوفييت في جميع أنحاء العالم، واستخدامهم لترديد القصص الخيالية التي كان الاتحاد السوفييتي يرويها لشعبه، وكذلك لتمرير نظريات المؤامرة حول الولايات المتحدة. وأكثر هذه القصص شهرة - الزعم بأن «وكالة الاستخبارات المركزية هي التي خلقت فيروس الإيدز» – بدأ في صحيفة هندية مرتبطة بالاتحاد السوفييتي وردده فريق من علماء ألمانيا الشرقية. وفي النهاية تم الترويج لها في أكثر من 12 دولة حول العالم. وفي ذلك الوقت، استغرق الأمر عامين لنشر شائعة أن «وكالة الاستخبارات هي التي خلقت الإيدز»، أما في الوقت الحاضر، من الممكن نشر نظريات المؤامرة من خلال شبكات من الروبوتات والمتصيدين في ثوان. فلماذا نهتم بمراجعة هذا التاريخ؟ لأننا نعيش في لحظة مشابهة، في وقت يتغير فيه الحلفاء الدوليون باستمرار، كما تراجعت سمعة أميركا في الخارج في العديد من البلدان. ولم تكن نظريات المؤامرة أسهل في خلقها وتمريرها، في الخارج والداخل على حد السواء، ومع ذلك لا يوجد حالياً رد أميركي أو غربي ممنهج على التضليل الروسي أو الصيني أو «الداعشي». والمحاولات المبذولة لمتابعة ذلك غير متساوية، ولا توجد مجموعة أو وكالة داخل الحكومة الأميركية مخصصة حصراً لهذه المهمة. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»