في 13 سبتمبر سيجتمع أعضاء اللجنة الأولمبية الدولية في «ليما» لاختيار المدينتين اللتين ستستضيفان الألعاب الأولمبية في 2024 و2028. ولا تشويق في عملية الاختيار طبعاً، لأن مدينتين فقط ما زالتا على قائمة الترشيح هما باريس ولوس أنجلوس. وكانت المدينة الكاليفورنية قد أعلنت سلفاً استعدادها لاستضافة ألعاب 2028، فباريس إذن متيقنة من أنها ستحظى باستضافة أولمبياد 2024. ولا شك أن هذا مكسب معنوي يكتسي أهمية بالغة بالنسبة لفرنسا، ومن المعروف أن الألعاب الأولمبية الحديثة لعب البارون بيير دوكبرتان، وهو فرنسي، دوراً كبيراً في إعادة إطلاقها، ومع ذلك فقد أخفقت باريس خلال محاولاتها الثلاث الأخيرة لاستضافة الأولمبياد في 2000 و2008 و2012. والآن بعد 100 عام من أولمبياد 1924، ها هي الألعاب تعود إلى فرنسا في باريس سنة 2024. لقد تعلم الفرنسيون من أخطائهم الماضية، واشتغلوا جيداً على ملف ترشيحهم هذه المرة. والاعتداد بموروث بيير دوكبرتان لا يكفي طبعاً وحده للفوز باستضافة الألعاب، ولذا فقد حشدت كل الحركة الرياضية الفرنسية ومعها القادة السياسيون، من مختلف المشارب، كل الجهود اللازمة لإنجاح هذا المسعى، وكان في ذلك دعم كبير للملف، كما اشتغل أيضاً القائمون على ملف الترشيح من أجل خلق أساليب ضغط ذكية، وهو ما لم يفعلوه في ترشيح 2012، لأنهم حينها كانوا شبه واثقين من الفوز. ويبدي ثلثا الفرنسيين دعماً كبيراً لفكرة استضافة الألعاب، ولا يخفون مشاعر الفرحة التي تنتابهم الآن مع قرب الفوز في «ليما»، الذي بات مؤكداً، وفكرة عودة فرنسا القادرة على الكسب في المحافل الرياضية الدولية الكبرى، وتجاوز أثر تلك الإخفاقات السابقة، تنتشر الآن في صفوف الفرنسيين وتغمرهم بالسعادة، وفرنسا بلد ينخره التشاؤم. وحسب بعض الدراسات فالفرنسيون أكثر تشاؤماً من الأفغان، ومن العراقيين، ولكن الفوز باستضافة الألعاب الأولمبية، واستقبال العالم كله على الأراضي الفرنسية، فضلاً عن استقطاب الذروة من التغطيات التلفزيونية، لا شك أن هذا سيرفع معنويات الفرنسيين، ويعيد إليهم الثقة في أنفسهم، وهذا خبر جيد بالنسبة للقادة السياسيين، ولذا فليس من الصدفة أبداً أن فرانسوا أولاند وإيمانويل ماكرون، قد عبّأ كل منهما بقوة لنيل هذا المكسب المشهود والهدف المنشود. فليس هناك اليوم ما هو أكثر من الألعاب الأولمبية عالمية أو كونية، فجميع بلدان المعمورة ممثلة فيها، بعكس كأس العالم لكرة القدم، فالأولمبياد هو العيد الرياضي الأكثر عالمية، في وقت بات فيه للرياضة دور أساسي وموحد لجميع سكان هذا الكوكب، ولذا فخلال الفترة من 2 إلى 18 أغسطس 2024، ستكون أنظار العالم أجمع مركزة على باريس، التي ستصبح هي العاصمة العالمية خلال تلك الفترة. وهذا سيخلق في حد ذاته عامل تحفيز وتعبئة إيجابية مهمة للشعب الفرنسي. وقد استند ملف الترشيح على إبراز المعالم الأكثر شهرة في باريس وضواحيها (برج إيفل، وقلعة فرساي، والقصر الكبير «غران باليه»، وجادة الشانزليزيه، وضفاف نهر السين.. الخ)، وذلك لجعل مدينة الأنوار تسفر للعالم عن مصادر جاذبيتها وعناصر قوتها، وعوامل جذبها السياحي الكثيرة. وتصل الميزانية التقديرية التي قدمت ضمن ملف ترشيح باريس إلى 6.5 مليار يورو، وهو رقم لا مجال لمقارنته مع التكلفة الفلكية للألعاب الأولمبية في بكين (40 مليار دولار) ولندن (15 مليار دولار). وبالنسبة لطوكيو تتجاوز الميزانية 20 مليار دولار، وهذه التكلفة المنخفضة يفسرها كون معظم البنية التحتية للرياضات وأجهزة النقل موجودة أصلاً، باستثناء حوض السباحة والقرية الأولمبية (التي سيتم تحويلها فيما بعد إلى مساكن)، وقد أثبتت تجربة ألعاب «ريو» أهمية انسيابية خدمات النقل، وبفضل شبكة النقل الجماعي الكثيفة، فكل المواقع سيمكن الوصول إليها في 30 دقيقة. وقد انسحب العديد من المدن الأخرى التي كانت مترشحة لاستضافة أولمبياد 2024 (بوسطن، وروما، وهامبورغ، وبودابست.. الخ)، وذلك بعدما استشعرت جميعاً أنها ليست في وضع يسمح لها بالوفاء بمتطلبات المدينة المستضيفة، فقد صارت تكلفة الألعاب الباهظة حاجزاً وعائق ترشح في حد ذاتها. وهذا هو ما يجعل اللجنة الأولمبية الدولية حريصة على تنويع وزيادة الترشيحات، رغبة منها في تشجيع النزوع نحو تقليل التكلفة قدر الإمكان، ومن هنا فقد كان رهان ملف الترشيح الفرنسي قائماً على استضافة ألعاب تذكارية، في الذكرى المئوية، وبتكلفة معقولة تحت السيطرة، في الوقت نفسه.