مسألة الهجرة تعد اليوم في جميع الدول الغربية واحداً من أهم المواضيع التي تصرف عليها المليارات وتبلور لها المئات من السياسات العمومية، وتعد أيضاً واحدة من المسائل التي تستغلها الأحزاب سياسياً وتوظفها وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة والمسموعة بطريقة غير معهودة في تاريخ البشرية، وفي بعض الأحيان تعتبر أيضاً بمثابة الباروميتر لمعرفة مدى انفتاح مجتمع سياسي من عدمه. وكلنا نعرف قصة الجدار الذي يريد الرئيس الأميركي دونالد ترامب تشييده في الحدود مع المكسيك، وذلك لتعزيز أمن الحدود مع ذلك البلد، وهو الوعد الأكثر رمزية خلال حملته الانتخابية. ?وإذا ?ما ?تم ?هذا ?البناء، ?فسيكلف ?تقريباً ?ثمانية ?مليارات ?من ?الدولارات، ?كما ?سيمتد ?هذا ?السياج ?لمسافة ?1600 ?كيلومتر ?بسبب ?تضاريس ?الحدود، ?علماً ?بأن ?الحدود ?الأميركية- ?المكسيكية ?تمتد ?بطول ?3 ?آلاف ?و200 ?كيلومتر. ومنذ أيام طالعتنا وسائل الإعلام الأوروبية والعالمية، في سابقة من نوعها بأن شاباً فرنسياً اسمه «سيدريك هيرو»، اعتقل للمرة السادسة على التوالي ومثل أمام القضاء بنفس التهمة وحكم عليه بالسجن أربعة أشهر مع وقف التنفيذ، بسبب دفاع هذا المزارع عن قضايا المهاجرين ومحاولاته الدائمة لمساعدتهم حيث ثبت أنه يستضيفهم في أرضه الزراعية المجاورة لإيطاليا ويساعدهم على العبور إلى داخل الأراضي الفرنسية... وبعد إصدار الحكم، وجه القاضي كلامه إلى «هيرو» قائلاً: «هذا حكم تحذيري، ولكن إذا تمت إدانتك مرة أخرى فسيتم تنفيذ العقوبة بحقك». ونتذكر آخر زيارة قام بها الرئيس الأميركي السابق أوباما إلى الخارج وبالضبط إلى ألمانيا عندما قال بالحرف، إنه «فخور» بالمستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل والشعب الألماني حول موقفهم من قضية المهاجرين، وذلك في كلمة جمعتهما في مدينة هانوفر بألمانيا، وأتت في خضم تزايد الانتقادات تجاه ميركل بعد استقبال بلادها لنحو مليون مهاجر في ظرف سنة. وقال أوباما: «إنها (ميركل) تعطي صوتاً للمبادئ التي تجمع الناس عوضاً عن تلك التي تفرقهم، لذلك أنا فخور جداً بها وبالشعب الألماني» لافتاً إلى أن ميركل تقف «على الجانب الصحيح في التاريخ». ولكن ليست كل السياسات العمومية المتعلقة بالهجرة خاصة في أوروبا على الجانب الصحيح من التاريخ، بما فيها الألمانية منها، فالسائد منها هو نوع من الانغلاق ورفض الآخر، ونرى ذلك في آليات التشدد في مراقبة الحدود وبطرق مكلفة جداً بذريعة محاربة الإرهاب، والسياسات الأمنية مع إشراك دول جنوب المتوسط في حماية الحدود عن بعد (سياسة تصريف الحدود)، مما يولد آلاف الموتى على مشارف أوروبا، ومعاقل الاحتجاز في بلدان العبور، كما هو الشأن بالنسبة لبلدان المغرب العربي، حيث يوجد المهاجرون غير الشرعيين بين المطرقة والسندان دون أن يتمكنوا من الذهاب بعيداً. وغالباً ما يظل المهاجرون غير الشرعيين في أوروبا محرومين لسنوات من حقوقهم (باستثناء حصولهم على العلاجات المستعجلة وتمدرس أبنائهم)، كما يعملون في الخفاء في مجالات تطبق غالباً أشكالاً جديدة لتكريس العبودية وتجارة الرقيق. وما يزال التمازج الاجتماعي بعيد المنال، وكثيرة هي الدول الأوروبية التي تخشى شبح الضواحي، على غرار فرنسا، حيث تغلغل الفقر وحيث قد يولِّد الانغلاق في مجالات الإقصاء هوية التمرد والانطواء، وفي جرائم بعض المجرمين الإرهابيين دليل حسب منظري هذه المدرسة التي تخشى شبح الضواحي. آخر الكلام: منذ مدة قصيرة تبنى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قراراً يسمح للاتحاد الأوروبي ولدول أخرى بمصادرة القوارب التي يستخدمها المهربون لنقل المهاجرين الذين يحاولون الوصول إلى السواحل الأوروبية انطلاقاً من ليبيا بموجب الفصل السابع الذي يجيز استخدام القوة. ?وهذا ?الفصل ?السابع ?يحتوي ?على 13 ?بنداً، ?تبدأ ?من ?رقم ?39 ?وتنتهي ?بالبند ?51. ?ويحق ?بموجبه ?لمجلس ?الأمن ?اتخاذ ?قرار ?التدخل ?العسكري ?ضد ?أية ?دولة ?سواءً ?كانت ?عضواً ?في ?الأمم ?المتحدة ?أو ?لم ?تكن. ?ويختص ?هذا ?الفصل ?بالإجراءات ?القسرية ?التي ?تفرض ?على ?البلدان ?في ?حال ?كان ?السلام ?مهدداً، ?وتتراوح ?العقوبات ?التي ?تفرض ?بحسبه من ‏العقوبات ?الاقتصادية ?إلى ?استخدام ?القوة، ?ولكن ?ما ?كنت ?أتصور ?يوماً ?أنه ?يمكن ?أن ?يستعمل ?هذا ?الفصل ?في ?تمرير ?قرارات ?عسكرية ?لها ?صلة ?بالهجرة، ?وهو ?ما ?يثير ?قلق ?كل ?من ?يعرف ?تطور ?القانون ?الدولي ?وكيفية ?اشتغال ?المنظمات ?الدولية ?ومسألة ?الإنسانية ?التي ?تجمع ?بني ?البشر، ?والتي ?بدأت ?تغيب ?للأسف ?في ?قراراتها ?المتتالية.