أثناء إعداد ورقة بعنوان خطورة الأبعاد الدينية والمذهبية والعرقية على التماسك الوطني، لمنتدى صحيفة «الاتحاد» في عام 2013، استوقفتني الكثير من حالات التشظي التي تتعرض لها بعض مجتمعاتنا العربية والصراع على الهوية، بالرغم من وجود هويات مشتركة جامعة قادرة على احتواء تلك المجتمعات. في تلك الدراسة أبحرت طويلاً في مفاهيم الهوية والولاء والانتماء، لأجد في نهاية المطاف أن لشعب دولة الإمارات خصوصية وتفرداً من خلال هُوية أصبحت فريدة من نوعها، ألا وهي هُوية «زايد» طيب الله ثراه. هذا الأمر دفعني بدوره إلى الإعداد لتأليف كتاب بعنوان «زايد هوية وطن» أتطلع بإذن الله للانتهاء منه في بداية العام القادم، وبما أن عام 2018 هو عام زايد فأسير مع القارئ الكريم لتبيان كيف هي أهمية الهُوية لدى الشعوب، فكيف إذا كان زايد هُوية لشعبه. كيف ذلك؟ يتساءل القارئ وتأتيه الإجابة بالسماح في الذهاب معه في هذه الرحلة. أنت في إجازة تقرر أنت وأصحابك الذهاب إلى إحدى الدول الخليجية لقضاء إجازتك. خلال تجولك في أحد المراكز التجارية وأنت في حديث مع أصدقائك تتفاجأ بعبارة «مرحباً بعيال زايد»، ينظر كل واحد منكم للآخر باعتزاز، فهل هناك فخرٌ يضاهي اعتبارك ابناً من أبناء زايد طيب الله ثراه. تقرر أنت وأصدقاؤك خلال نفس الإجازة زيارة دولة خليجية أخرى، وفي إحدى الأسواق التراثية لتلك الدولة وإذا بصوت من بعيد يقول «هلا بعيال زايد». تعود إلى وطنك لتحكي لأقربائك وأصدقائك ما حدث. لا ترتسم عبارات الدهشة على محياهم، يفاجئك الجميع بأنهم صادفوا الموقف ذاته. خلال الجلسة ذاتها يقول أحد أصدقائك «هل تعلمون أن هناك تغريدة للدكتور طارق الحبيب على تويتر تم إعادة التغريد بها أكثر من 1552 مرة، وجاءت في مفضلة أكثر من 234 مغردا!!». تلتفت إليه مستغرباً «وما شأن هذا بذاك؟». يُجيب سأقرأ عليك التغريدة لتعلم ما هو الرابط «فتيات إماراتيات في مدينة العين يعملن في صنع قطع غيار الطائرات ويتم تصديرها لمختلف شركات الطيران العالمية مثل بيونغ وإيرباص. علميهن يا بنت زايد». والسؤال هنا إلى ماذا نصبو حين نقول «زايد هُوية وطن»؟ بدايةً جاء مصطلح الهُوية في اللغة العربية من كلمة: «هو». فالهُوية في مفهومها هي مجموعة من السمات التي تضفي بدورها على الشخص أو المجموعة عناصر تميزها عن غيرها. ويمكن أن تتبلور الهُوية في العديد من السمات من قبيل الهُوية الوطنية، والدينية، واللغة، والعرق، والتاريخ والحضارة والثقافة وغيرها. ويلاحظ أن هناك العديد من الهُويات لا تنحصر على شعب بعينه يعيش في دولة محددة، بل تتعداه لتتخطى القارات لنرى تماثلاً ومشاطرة للشعوب لتلك العناصر من قبيل هوية الدين واللغة. ولكن تأتي الهُوية الوطنية بدورها لتعطي لكل شعب في أي دولة خصوصية تميزه عن غيره من الشعوب، فالسعوديون والبحرينيون مثلاً يتفردون دون غيرهم بهويتهم السعودية والبحرينية وكذلك الحال بالنسبة لبقية دول الخليج. الأمر ذاته ينطبق على المصري والعراقي وغيرهم من الدول العربية وغيرها. وماذا عن الهوية التي يتفرد بها الإماراتيون بالإضافة إلى الهوية الوطنية؟ لما كان شعب دولة الإمارات حاله في ذلك حال بقية الشعوب فقد أصبحت له عناصر هُوية مشتركة سواء هُوية اللغة أم الدين أو الثقافة أو التاريخ وغيرها ما جعل مسألة الترابط والتجانس والوحدة بين هذا الشعب أمراً طبيعياً لم تواجهه أية إشكاليات مثل التي تواجه بعض الشعوب الأخرى التي تشترك في وطن واحد ولكنها تتباين في بعض الهُويات مما يخلق في بعض الأحيان صعوبة تحقيق تجانس قوي بين فسيفساء المجتمع. ولما كان الله سبحانه وتعالى كريماً على خلقه فقد منّ الله على شعب الإمارات بأن يأتي «زايد الخير» ليكون مؤسساً وقائداً لهذا الوطن، ويدفع بحبه لشعبه لأن يضفي قيمة جديدة مضافة إلى العناصر الأخرى التي تربط هذا الشعب. فبالإضافة إلى الهُوية الوطنية وهوية اللغة والدين والتاريخ والثقافة التي تجمع شعب الإمارات، جاء حكيم العرب وما تركه من محبة في قلب القاصي قبل الداني ليعطي شعب الإمارات هُوية فريدة اقترنت بشخصية عظيمة فرضت احترامها على الجميع. فحين يسمع أي مواطن إماراتي عبارة «عيال زايد» أصبح يدرك تماماً أن المغفور له قد ميزه عن جميع الشعوب بهُوية أصبحت عنصراً رئيساً في وحدة وقوة هذا الشعب. لقد جاء حب زايد لشعبه وغدقِه الذي لم ولن ينضب ليخلق حاله فريدة من الانصهار والتآلف والمحبة بين هذا القائد وبين شعبه. فأصبح زايد الأمة والأمة زايد. من هذا المنطلق لم يعد زايد فقط قائداً ومؤسساً لدولة الإمارات فحسب، بل أصبح «هوية» أساسية لدى شعب الإمارات ف«زايد هُوية وطن». «زايد هُوية وطن» تتطلب بدورها أن يتم غرسها في الوجدان الإماراتي ليجد فيها عنصراً مضافاً إلى وحدة هذا الشعب وتجانسه، فالمظلة الوطنية وهويتها للشعب الإماراتي لا يمكن أن تنفصل عن الهُوية المستقاة من زايد. يتساءل القارئ: هل من تصورات ومقترحات لتعزيز ما منحه طيب الله ثراه من هوية فريدة لشعبه؟ الإجابة في المقال الأربعاء القادم. ---------------- * أكاديمي إماراتي