يبدو أن اليمين واليسار قد أجمعا على أن تهديد الرئيس دونالد ترامب المروع بـ «النار والغضب»، إذا ما استمرت كوريا الشمالية في استفزازاتها، قد قرب إمكانية الإبادة النووية. صحيح أن بورصة نيويورك قد أغلقت على انخفاض طفيف بعد التصريحات، وتراجع مؤشر «نيكي» بنسبة 1.3%. لكن ردود الأفعال المعتدلة نسبياً هذه ربما تعكس تذكيراً بأن مثل هذه الحرب ليست تغييراً في احتمالها كما يمكن للمرء أن يتصور. وقد برزت حجج تنتقد تصريح ترامب، لكن أياً منها لم يعزز من احتمال الحرب. الحجة الأولى هي أن ترامب قد وضع خطاً أحمر لكوريا الشمالية، دون أن يكون مستعداً لحمايته. وهذا الانتقاد يذكرنا بما واجهه الرئيس باراك أوباما عندما وضع خطاً أحمر للرئيس السوري بشار الأسد، لكنه فشل في حمايته. وتكمن المشكلة هنا في أنه كان من الواضح منذ البداية، ولأي شخص، أن تصريح الثلاثاء الماضي لم يكن يعني أن أي تهديد لفظي من كوريا الشمالية سيقابل بالقنابل النووية. فاستخدام القوة النووية رداً على كلمات سيكون غير متناسب إلى حد كبير. ونعلم حقيقة أن كوريا الشمالية لم تأخذ تهديد ترامب حرفياً، لأنه خلال ساعات قليلة من تهديد ترامب، هدد الكوريون الشماليون جزيرة «جوام» الأميركية الحيوية، وما كانوا ليفعلوا ذلك لو أنهم يتوقعون الرد عليهم فوراً، وبالنار والغضب. ومع ذلك، لا ينبغي أخذ تصريح ترامب باعتباره تهديدات فارغة لن تؤثر على قدرته على التهديد فيما بعد. أما الحجة الثانية ضد التصريح، فهي أن كلماته فاقمت التوترات بدلاً من إخمادها، بمعنى أنه تسبب في إثارة تهديد «جوام». ومع ذلك، فمن غير الواضح ما إن الخطاب المتصاعد على الجانبين، سيزيد إمكانية استخدام القوة أم لا. فالكوريون الشماليون يحبون التبجح في الحديث، بيد أن هذا يجب ألا يؤثر على تقييمنا لاحتمال استخدامها لأول مرة. وتدرك الجهات الفاعلة المعنية من الجانب الأميركي أن خطاب كوريا الشمالية يهدف إلى جذب الانتباه، لكنه لا يحول الواقع الاستراتيجي الأساسي. وتشير الحجة الثالثة إلى استخدام تقنية الإفراط في البلاغة. ونعلم أنه طوال فترة الحرب الباردة، كان العرف بالنسبة لقادة العالم التحدث عن النزاع المحتمل بلهجات متحفظة. ونتذكر القول المأثور لتيودور روزفلت: «تحدث بنعومة واحمل عصا غليظة». ونظرية اللعبة التي وضعت في سياق المواجهة النووية، تعلمنا أن القدرة الكامنة هي التي تهم وليس الكلمات المستخدمة لوصفها. صحيح أن الكلمات قد تكون إشارات للقدرة الكامنة. لكن في حالة قوة النيران النووية، لا توجد إمكانية لعدم كفاية المعلومات التي تتطلب فهماً بارعاً للإشارات. والجميع يدرك أن الولايات المتحدة لديها قدرة كافية لتدمير كوريا الشمالية مرات عديدة. والمحصلة هي أن حديث ترامب يبدو مختلفاً عن الكيفية التي كان تحدث بها الرؤساء السابقون. والمغزى هو أن موقف الولايات المتحدة في الأمن العالمي، من منظور دولي، هو أكبر من مجرد تصريح، وهو لن يحطم كوريا بأسلحة نووية بسبب خطابها المتشنج والمدعي. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»