لا تمتلك الدوحة رفاهية التملص لوقت طويل من المطالب العربية المشروعة التي تلزمها بالتوقف عن انتهاج سياسة داعمة للإرهاب وجماعاته وأفراده. لذلك فالخيارات محدودة جداً أمام قطر للخروج من الأزمة التي تتحمل مسؤوليتها كاملة، إذ لم يجبرها أحد على تأجير إعلامها وبذل أموالها للمتطرفين. وإذا ما تأملنا مصير الأزمة القطرية حتى اليوم، نجد أن التحرك السياسي المستند إلى الثقة والمشروعية من نصيب الدول الأربع التي قررت مكاشفة قطر بحقيقتها، بينما انتهجت الدوحة طوال أغلب أسابيع الأزمة أسلوب البكائيات واستعطاف الآخرين بالحديث عن مظلومية وادعاءات حقوقية للاستهلاك. أرادت قطر إقناع الآخرين بحقها في ممارسة الأداء السياسي والإعلامي الذي يضر بجيرانها، وفي نفس الوقت تريد من أولئك الجيران التعايش معها والقبول بمراوغاتها! أما مصير الأزمة التي تحولت إلى قطرية داخلية فيتحدد تلقائياً بالتقييم المستمر لمستوى تعاطي الدوحة مع الواقع الراهن، لأن استمرارها في رفض التجاوب مع مطالب الدول المتضررة من أسلوبها القديم ستكون له تداعيات غير متوقعة. وبناءً على المعطيات المتراكمة حتى الآن، والتي يمكن استخلاصها من الأداء السياسي والإعلامي للدوحة في فترة الأزمة، يبدو من الواضح أن قرار قطر لم يعد بيد ديوانها الأميري، لأن عجلة التهييج الإعلامي وصناعة أوهام الصمود والانتصار تحولت إلى لعنة، أو إلى كذبة كبرى يتطلب الحفاظ عليها ترقيعها في إعلام الدوحة كل يوم بكذب إضافي. لقد انشغل المواطنون في الخليج بهذه القضية لأن الخروج منها سهلٌ جداً ولا يتطلب سوى اعتراف الدوحة بعدم صواب نهجها السياسي والإعلامي خلال السنوات الماضية. ولم يحدث أن تحولت قضية سياسية خليجية إلى أولوية لدى الرأي العام كما هو الحال مع أزمة قطر. لذلك ليس مستغرباً أن يستهجن كل الأفراد العقلاء في الخليج سلوك قطر الذي يقودها إلى الهاوية. وفي كل الأحوال، سواء مع هذه الأزمة أم غيرها، ينشغل المتلقي بأداء وسائل إعلام الأطراف المعنية ويفوته تقييم المستجدات ذات الصلة بالواقع الحقيقي. وفي الشأن القطري الداخلي ينبغي عدم التركيز على المسار الإعلامي لأنه بعيد جداً عن تقديم صورة دقيقة عن الأزمة التي تسببت فيها قطر لنفسها، وبخاصة إذا ما تم احتساب الخسائر الاقتصادية والتهديدات التي تنتظر الاقتصاد القطري الذي لن يصمد إذا ما ظلت الأزمة تراوح مكانها. ومن يستشرف آفاق التطورات الجارية بكل خلفياتها وأساليب التعامل القطري الانفعالي معها، يجدها لن تخرج عن الاحتمالات الطبيعية المتوقعة، فقد تطول الأزمة إلى أن يستسلم الاقتصاد القطري نهائياً في انهيار دراماتيكي نتيجة لتزايد الخسائر، بعد أن وصلت بالفعل إلى عشرات المليارات، وبالتالي لن يتطلب السقوط النهائي حسب الخبراء سوى عامين، وسيكون للانهيار الاقتصادي تداعيات سياسية بالضرورة تؤدي إلى إنهاء الأزمة. أما الاحتمال الثاني فيتجه نحو التعويل على النخبة السياسية في العائلة القطرية الحاكمة مسنودة بجهات من المجتمع القطري، سيكون لها تحرك للتضحية بالنظام القائم حالياً وأفراده مقابل الحفاظ على كيان الدولة القطرية من السقوط، لأن ضريبة سقوط الدولة أشد ضرراً من سقوط النظام الحاكم، وستلعب المقاطعة الخليجية دوراً في إنضاج هذا الخيار عندما تزداد تداعيات وآثار المقاطعة، وتظهر نتائجها بشكل أعمق وأخطر على الاقتصاد القطري. هذا بينما يبقى الاحتمال الأخير الذي يبدو قريباً من التحقق، وهو أن تتكلل وساطة دولة الكويت بالنجاح وتلزم النظام القطري بالاستجابة للمطالب، رغم وجود عوائق أهمها انكشاف عدم استقلالية النظام القطري، وارتهان قراراته السيادية للجوقة التابعة لتنظيم «الإخوان» الدولي، الذي وضع الدوحة في هذا المأزق وتحول بسبب الغباء السياسي القطري إلى شريك للنظام القطري في مغامراته. والأيام كفيلة بإنضاج كل الاحتمالات لحل الأزمة وكشف الكثير من الحقائق.