مرة أخرى، دفع إقصاء رئيس الوزراء نوّاز شريف السياسة الباكستانية إلى حالة من الاضطراب، وأصبح لقادة المعارضة، مثل عمران خان الذي كان في صدارة الحملة الانتخابية ضد شريف، فرصاً كبيرة للوصول إلى سدة الحكم في الانتخابات العامة المقبلة. وقد عزلت المحكمة العليا الباكستانية «نواز شريف» من منصب رئيس الوزراء، بعد تعيين إحدى المحاكم فريق تقصي حقائق زعم تورطه وتورط أسرته في قضايا فساد، وإخفاء مبالغ ضخمة عن أعين السلطات. وينكر الزعيم الباكستاني، ذو الشخصية الكارزمية، اتهامات الفساد، وتلك هي المرة الثالثة التي لا يكمل فيها شريف فترته كرئيس للوزراء. وتشير الاتهامات إلى أن ثلاثة من أبنائه يمتلكون عقارات سكنية فارهة في لندن، اشتروها عبر شركات «أوفشور» في «جزر فيرجن» البريطانية التي تعتبر ملاذاً ضريبياً آمناً. وحكم قضاة المحكمة العليا بأن شريف كان قد أخفى تفاصيل أصوله وأمر بتحقيق جنائي في التعاملات التجارية لأسرته. وجاء حكم المحكمة بعد عام واحد من التحقيقات في الشؤون المالية لأسرة شريف، حاملاً معه دراما سياسية في الدولة الجنوب آسيوية، التي يوجد لديها على أية حال سجل حكومات مدنية قلما أكملت فتراتها. وعلى رغم من ذلك، حتى بعد استقالة شريف، يبدو أن الحكومة لا تزال مستقرة، في ظل تمتع حزب «الرابطة الإسلامية» الحاكم في باكستان، بأغلبية في البرلمان، ومضيه قدماً نحو انتخاب«شاهد خاقان عباسي» رئيساً جديداً للوزراء. وعلى رغم من طرح اسم«شاه باز شريف»، شقيق نواز شريف، لشغل المنصب، لكنه ليس عضواً في البرلمان الباكستاني، لذا لم يتمكن من أن يحل محل شقيقه. ومن ثم، يبدو أن اختيار«شاهد عباسي»كرئيس للوزراء بمثابة ترتيب مؤقت إلى أن يتم انتخاب«شاه باز شريف» في البرلمان ليتولى منصب رئيس الوزراء. وعلى رغم من ذلك، فإن الشخص المستفيد من ذلك الاضطراب السياسي في إطار الاستعدادات للانتخابات العامة المزمع عقدها العام المقبل، هو لاعب الكريكت السابق عمران خان، فقد كان في مقدمة الحملة الانتخابية ضد نواز شريف، ليس فقط من خلال تنظيم احتجاجات حاشدة، ولكن أيضاً من خلال تقديم طلب لأعلى محكمة في البلاد من أجل التحقيق في اتهامات فساد بحق رئيس الوزراء المعزول. وبالطبع، يتجه«عمران خان» لتحقيق أكبر استفادة سياسية من ذلك الحكم. ويتمتع«عمران» بسمعة أنه سياسي نظيف، لا يتسامح مع الفساد، كما أنه يُنظر إليه على أن له علاقات طيبة مع المؤسسة العسكرية، التي تتمتع بقدر كبير من النفوذ في باكستان. ولعل ذلك هو ما دفع حزب «الرابطة الإسلامية» إلى توجيه أسهمه صوب«عمران خان». ويُطالب رئيس الوزراء الجديد في باكستان بإجراء تحقيق في مزاعم أن«عمران» تحرش بامرأة هي عضو في البرلمان. وعلى رغم من أن«عمران» أنكر الاتهامات، ورفضها باعتبارها انتقاماً بسبب إقصاء نواز شريف، إلا أنها تكشف عن كيفية تشكيل المشهد السياسي في باكستان قبيل انتخابات العام المقبل. ولا شك في أن«عمران خان» وحزبه «تحريك إنصاف» سيسعيان إلى الاستفادة من زخم معارضته لنواز واتهامات الفساد، للفوز بالانتخابات العامة في 2018. كما أن زعزعة الاستقرار السياسي من شأنها أيضاً تعزيز دور الجيش الباكستاني في شؤون الدولة، فعلى أية حال للجيش القول الفصل في مجالات بالغة الأهمية من الدفاع إلى السياسة الخارجية. ومن ثم، سيكون من الصعب الآن على الحكومة المدنية الراهنة تعزيز نفسها، ومن المستبعد أن يتغير ذلك الوضع. فحتى نواز شريف، لم يتمكن أثناء حكمه كرئيس للوزراء من وضع حد لنفوذ المؤسسة العسكرية، على رغم من أنه كان قد جاء إلى السلطة بتفويض شعبي. وفي حين أنه حاول تأكيد سلطة الحكومة المدنية في مجالات مثل السياسة الخارجية، لكنه لم يتمكن من إحداث تأثير. ويبقى السؤال بشأن ما إذا كان«عمران خان» سيتمكن من الحفاظ على الزخم حتى الانتخابات العامة العام المقبل، وما إذا كان سيتمكن من السيطرة على حزب راسخ مثل «الرابطة الإسلامية»، الذي يقوده نواز شريف؟ وعلى رغم من أنه في ظل الأزمة السياسية الراهنة، أكدت المؤسسة العسكرية أن باكستان تتجه نحو حالة سيكون فيه لحكم الدولة وسيادة القانون أولوية قبل أي شيء آخر، إلا أن الواقع يشير إلى أن أية حكومة مدنية منتخبة لابد وأن تحظى بتأييد المؤسسة العسكرية. وتخوض باكستان أوقاتاً صعبة، بسبب عزلتها الدولية المتزايدة، فعلاقاتها مع الهند تدهورت، وكذلك مع أفغانستان، التي اتهمت إسلام آباد مراراً وتكراراً بدعم تمرد تقوده حركة «طالبان» في أفغانستان ومنحها ملاذاً آمناً تستغله في الجانب الباكستاني من الحدود. لذا، سيكون على أي رئيس وزراء جديد التعامل مع تلك القضايا، ناهيك عن علاقات باكستان مع الولايات المتحدة في ظل إدارة ترامب. *رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي