في تصريحاتهم يكرر من يسيطرون سياسياً في قطر بأنها دولة وطنية مستقلة وذات سيادة، وهذا مفهوم من قبل دول جوار قطر ومدرك. لكن هذه الدولة الوطنية المستقلة تُؤوي وتدعم قادة وأفراد جماعة «الإخوان المسلمين» المصنفة بأنها جماعة متمردة وخارجه عن القانون وإرهابية من قبل عدد لا يستهان به من دول العالم، فكيف لنا أن نفهم هذه المعادلة غير المنطقية. من المعروف عن فكر «الإخوان» بأنه لا يقر مقولة الدولة الوطنية، التي يقولون عنها بأنها «علمانية» ومن ابتداع الفكر الغربي، وعنصرية قومية خرجت من رحم التجربة الأوروبية، وهم، أي «الإخوان»، هدفهم الاستراتيجي هو إقامة الدولة الإسلامية والعودة إلى الإسلام الصحيح، وهذه أمور يوجد فيها خلاف مع أسس قيام الدولة الوطنية في دول العالم العربي. هل يدرك من يتحالفون مع «الإخوان»- ويقولون بأن لديهم دولة وطنية- بأنه توجد مشكلة في العلاقة بين «الإخوان» والدولة الوطنية الحديثة، تتجلى في صيغ أساسية رافضة للحكم الوراثي التقليدي الذي يقيمون على أساس منه دولتهم الحالية التي يؤوون من خلال أجهزتها ومؤسساتها «الإخوان» ويدافعون عنهم، فوفقاً للفكر «الإخواني» لا توجد مفاهيم واضحة تقضي بفصل الدين عن الدولة، أو بالتفريق بين ماهو ديني وماهو دنيوي، فالإسلام كما يقول منظرو «الإخوان» يتضمن كلا الأمرين في الحياة الاجتماعية والسياسية للمجتمع المسلم. وهذا يعني أنه لو وصل «الإخوان» إلى السلطة، فإنه لا مكان لأي حكم وراثي تقليدي، ولا للدولة الوطنية في قاموسهم السياسي. ومن هذا المنطلق فإن التفاهم الضمني الموجود حالياً في الدول الوطنية القائمة في الدول العربية بين المؤسسات الدينية والسلطة السياسية سينتهي إلى غير رجعة، فهذا التفاهم الضمني يتم بمقتضاه أن تسهم المؤسسة الدينية في تعزيز شرعية السلطة السياسية، وفي حشد التأييد الشعبي اللازم خلف سياساتها. هذا النمط من التفاهمات ليس موجوداً في فكر «الإخوان»، فما إن يسيطروا على مقاليد الأمور سيقومون بإزاحة الجميع من أمامهم، فهل يدرك من يسيطرون في قطر مثل هذه الحقائق؟ ما نشير إليه ليس من نسج الخيال، فعندما وصل «الإخوان» إلى السلطة في مصر على أثر الفوضى العارمة التي ألمت بها منذ 2011، أول ما فعلوه هو إزاحة الجميع من أمامهم والإخلال بتعهداتهم ومواثيقهم، لذلك يتوجب على «الدولة الوطنية» في قطر أن تأخذ تحالفها مع «الإخوان» بمنتهى الجدية، لأن من يتحالفون معها اليوم من منطلق ضعف سيتآمرون ضدها غداً من منطلق قوة. إن النظم التي تحكم الدولة الوطنية، سواء كانت جمهورية أم تقليدية وراثية كالنظام القطري، ليس من مصلحتها في شيء التحالف مع «الإخوان» وسط هذه الإرهاصات المتلاحقة التي تسببوا فيها للجميع، وباتت تهدد وجودهم، فالقوة الفعلية والمحتملة التي يشكلها «الإخوان» والإسلام السياسي، خاصة عندما يتم استغلال الإسلام أيديولوجيا وعاطفياً لتعبئة الجماهير وتحريكها ضد نظم حكم الدول الوطنية القائمة، يجب عليها انتهاج سياسات مضادة لجماعة «الإخوان» وليس التحالف معها وحمايتها، وقطر ليست استثناءً. ما أقرؤه من خلال موقف من يسيطرون سياسياً في قطر تجاه «الإخوان» أمر ذو شقين: الأول، هو عدم إدراكهم لخطورة جماعة «الإخوان» في عالم اليوم، وهو ما سأترك الحديث عنه لمقام آخر، والثاني، هو عدم إدراكهم لمعنى القول بأن لديهم «دولة وطنية» حديثة، فهذه الدولة منذ أن نشأت في أي كيان سياسي، كبر حجمه أم صغر، يوجد بينها وبين الجماعات الدينية المتطرفة علاقات غير ودية، وبطرق شتى يحاول الطرفان السيطرة على بعضهما بعضاً، فالحركات الدينية تعتبر سلطة الدولة الوطنية الدنيوية وسيلة ضرورية يجب أن تكون في يدها لتحقيق أهدافها الروحية. وعلى نفس المنوال تسعى الدولة الوطنية إلى السيطرة على الحركات الدينية لخدمتها، مستخدمة إياها كأيديولوجيات تقوم بواسطتها بتعبئة القوة الروحية الموجودة في أوساط شعوبها، لكي تحقق من خلالها أهدافها السياسية، فهل الأمر الأخير هذا هو ما يسعى إليه من يسيطرون سياسياً في قطر حالياً؟ إذا كان الأمر كذلك، فهذه مخاطرة كبرى غير محسوبة، فالنقيضان لا يلتقيان. *كاتب إماراتي