في يوم الأربعاء الثاني من أغسطس، وقع الرئيس الأميركي دونالد ترامب قانوناً بتوقيع عقوبات جديدة على روسيا وإيران وكوريا الشمالية. ويبدو أنه كان متردداً في فعل ذلك، لاسيما أن توقيعه لم يكن مصحوباً بالمراسم الصاخبة المعتادة. بيد أنه لم يكن هناك خيار آخر في ضوء تأييد كلا الحزبين بأغلبية ساحقة للعقوبات في مجلسي النواب والشيوخ. وجاءت العقوبات رداً على تدخل روسيا في الانتخابات الأميركية عام 2016، ومواصلة إيران نشاط تطوير الصواريخ الباليستية، والبرنامج النووي لكوريا الشمالية. وسيجعل التشريع الجديد من الصعب على إدارة ترامب اتخاذ قرارات مستقلة بشأن العقوبات من دون الحصول على موافقة مسبقة من الكونجرس. ويرى الرئيس الأميركي أن ذلك من شأنه تقييد سلطته ومرونته التفاوضية، خصوصاً مع روسيا، غير أن كثيرين في الكونجرس يعتقدون أن ترامب لديه موقف ليّن تجاه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ويلاحظون أنه قلما انتقده، ويبدو متردداً في خوض مواجهة ضده. ويشير البعض إلى أن ذلك يرجع إلى أن لديه ما يخفيه في تاريخ علاقاته مع روسيا، ولهذا السبب يبدو غاضباً بسبب كثرة التحقيقات المتعلقة بروسيا من قبل المؤسسات الحكومية، خصوصاً المستشار الخاص لوزارة العدل الأميركية «روبرت مولر»، وهو رئيس سابق لمكتب التحقيقات الفيدرالي «إف بي آي»، وقد اختارته الوزارة بعد عزل ترامب المفاجئ لمدير المكتب «جيمس كومي» في شهر مايو الماضي. وتركز العقوبات ضد روسيا بصورة خاصة على قطاع الطاقة، وتجعل من الصعب على الشركات الأميركية المشاركة في مشاريع طاقة مشتركة مع نظيرتها الروسية، بما في ذلك خطوط أنابيب جديدة. وبطبيعة الحال، لم يتم الترحيب بتلك الإجراءات في أوروبا، التي يوجد بها عدد من مشاريع الطاقة المشتركة مع روسيا، ستضر بها العقوبات. وفيما يتعلق بإيران وكوريا الشمالية، من المرجح ألا يكون للعقوبات سوى تأثير محدود على برنامجيهما الباليستي والنووي على التوالي. وعلى الرغم من ذلك، فإنها تكشف بوضوح نية الولايات المتحدة مواصلة الضغط السياسي والاقتصادي على كلتا الدولتين أملاً في إيجاد طريقة ما لاحتواء تهديد الولايات المتحدة من دون مواجهة عسكرية. والقضية الأكثر خطراً تتعلق بالمراجعات الفصلية من قبل الولايات المتحدة الأميركية والدول الأعضاء الأخرى في «خطة العمل الشاملة المشتركة» المعروفة بـ«الاتفاق النووي»، بشأن ما إذا كانت إيران ملتزمة بالاتفاق الذي توصلت إليه مع القوى الكبرى في عام 2015 لوضع قيود على برنامجها النووي. وحتى الآن، تماشت إدارة ترامب مع وجهة النظر القائلة بأن إيران تقلص برنامجها النووي بصورة مكثفة. لكن ترامب صرّح مؤخراً بأن لديه شكوكاً في أنه سيتمكن أو يرغب في أن يشهد لصالح إيران خلال المراجعة الفصلية المقبلة، وهو ما يتماشى مع وعوده أثناء الحملة الانتخابية. وقد أسّس ترامب مجموعة داخل البيت الأبيض للبحث عن سبل لتحدي الإجماع بين الموقعين على الاتفاق، ومحاولة إقناعهم بأن على إيران اتخاذ تدابير إضافية من أجل تقليص قدراتها النووية، إذا رغبت في الاستفادة من تخفيف العقوبات الذي صاحب إبرام الاتفاق. غير أن ترامب يواجه مشكلتين، الأولى: أن هناك معارضة من مسؤولين بارزين في إدارته، لاسيما داخل وزارتي الخارجية والدفاع ومجلس الأمن القومي، وسط اعتقاد بأن الاتفاق، وإن كان معيباً، لكنه مجد، وأن الولايات المتحدة لن تستطيع أبداً الحصول على دعم أوروبي أو روسي أو صيني لإعادة التفاوض عليه. والثانية: أنه في ضوء تلك المعارضة، سيفضي أي تحرك أحادي الجانب إلى انسحاب الولايات من المتحدة من الاتفاق، إلى زيادة مأساوية في مخاطر المواجهة بين القوات المسلحة الأميركية والإيرانية في الشرق الأوسط، وستكون تلك كارثة على المنطقة، وستورط واشنطن في صراع مسلح آخر في الشرق الأوسط، إلى جانب أفغانستان واليمن والمعارك ضد تنظيم «داعش» والتنظيمات الإرهابية الأخرى في العراق وسوريا وليبيا وشمال وشرق أفريقيا.