دول كثيرة في العالم تسقط في ربقة الديون والقروض، ومن ثم تخرج منها وتفك رقبتها من جديد لتمارس حياتها الاقتصادية، بعد سداد التزاماتها المالية، مهما كانت المبالغ خيالية منذ الوهلة الأولى. ومن مفارقات السياسة القطرية أنها معفاة من هذه الحالة، نظراً لثرائها ولوجود مصدر للغاز الطبيعي يعد الثاني عالمياً بعد روسيا، وليس في قلبنا تجاهها ذرة من حسد، بل نغبطها ونقول لها إلى المزيد. وكذلك ليس هذا ما يشغلنا من خلوها من ضغوط الديون، وإن ما يهمنا هو تراكم الديون «السياسية» عليها، جراء لا نقول استلافها من بنوك الإرهاب، بل إقراضها لهذه البنوك لعقود، تدفع اليوم في أزمتها قيمة «الشرور» المتراكمة من جراء هذا السلوك في دفع الإرهاب والتطرف نحو النماء على حساب أمن واستقرار منطقة الخليج التي هي جزء عضوي يصعب بترها منها بسهولة، بعد أن تسرطنت، قبل أن تصل إلى الحل الأنجع في مبتدأ أمرها. بعد الإفراج عن القائمة الثانية من قائمة ديون الإرهاب السياسية والممثلة في الأفراد والمؤسسات التسعة المصنفة في خانة «الخيرية» الممتدة من داخل قطر عابرة اليمن، وصولاً إلى ليبيا وغيرها من المناطق التي تتكشف أمرها أكثر، كلما طال أمد المقاطعة وضاق الخناق عليها من قبل دول العالم أجمع، وليست الدول الأربع فقط. ولو أضفنا إليها استحقاقات الديون السياسية الأولى لوصل العدد إلى 87 فرداً ومؤسسة قطرية ضالعة في وحل الإرهاب بشتى صوره وممارساته، التي لم تعد خافية على كل مراقب لهذا الملف الذي أصاب العالم وليس المنطقة في المأمن. لقد بلغ سيل الديون السياسية القطرية الزبى، وفوائدها المتراكمة أصبحت مضار لقطر أولاً، ومن ثم تعدت إلى الإضرار بالأشقاء الذين يدفعون بها للعودة إلى الحق المبين لتبصر طريق اليقين. فأرباح هذه الديون السياسية تتقطر هدماً واضحاً وإصراراً على المضي في نفق مظلم ومغلق في نفس الوقت، فهذه الاستحقاقات الطارئة تهد من كاهل الدول العظمى، فكيف بدولة جعلت عظمتها تنقلب عليها صغاراً أمام العالم أجمع. وبعد مضي أكثر من شهرين، إن لم تنتبه قطر إلى ما بين يديها وما خلفها وحتى أسفل منها، فإن شواهد الأيام المقبلة ستتكالب عليها، وصرختها الإعلامية الوحيدة التي تركزت على نبرة «الحصار» المزعوم، والسيادة المستلبة والوصاية الخليجية عن شأن لم يمس طوال أكثر من ثلاثة عقود من قِبل أشقائها في مجلس التعاون، فضلاً عن ساعة الأزمة التي افتعلتها قطر لتورط نفسها مع أفكار إرهابية ومتطرفة حاصرتها قبل قرار المقاطعة لسنوات، وهي التي تدافع عنها اليوم أمام استنكار العالم لفعلها المستهجن من قبل كل الدول التي تبنت أجندات الحرب على الإرهاب أياً كان مصدره أو مكانه. وليس هناك نية مبطنة أصلاً للمساس بهذه السيادة التي تخشى سلبها منها، إذا ما استمعت لنداء الأشقاء في مجلس التعاون الخليجي. أما الهرولة عن القريب، إلى الغريب والبعيد، فلا تجر عليها إلا المزيد من دفع تكاليف الديون السياسية الباهظة التي لا يوجد بنك «للتقوى» يقوى على تحمل تبعاتها. فوقوف قطر عند حد معين وعدم التمادي في هذا النهج الذي سماه الأمير في خطابه بـ«مرحلة الثبات»، إنقاذ لها أولاً وأخيراً من السقوط في هاوية الإرهاب والرضوخ لشروطه القاتلة. ترى كيف تستطيع قطر أن تقترض الأمن والأمان والاستقرار لدفع ما عليها من ديونها السياسية؟ متى ومن أي بنك في العالم حولها؟. فرفع شماعة السيادة والوصاية أمام الدول المقاطعة لقطر بسبب من عندها ليس من مصلحتها الذاتية، لأن من أهداف الإرهاب ومَن وراءه من أفراد ومؤسسات وجمعيات وحركات وتنظيمات سرية وعلنية تتمسح «بالخيرية» هو مسح وإزالة السيادات القائمة وتسييلها في شعارات براقة، ولكنها خداعة باسم «الخلافة» للتخلص من كل دولة وطنية قائمة على شؤون شعبها وفقاً لمتطلبات الدول الحديثة والمعاصرة. فقطر تتعامل في أزمتها مع الإرهاب العابر للقارات، بدل التجارة العابرة إليها، فقد تغيرت لديها المفاهيم والمسميات إرضاء لحركات وتنظيمات أو جماعات تجعل من قطر ذاتها عند أول فرصة سانحة فريستها، كما جرى للدول التي انهارت في ساعة نشوة «الربيع» المخاتل.