تحظى الوساطة الكويتية لحل الأزمة القطرية بتأييد عربي ودولي واسع، ولأول مرة منذ إعلان مقاطعة الدول الأربع لقطر، تدخل في حساب الوسطاء الدوليين أهمية تفعيل دور الدول العربية المجاورة، فقد اكتسبت الأزمة في البداية طابع الخلاف بين طرفين، وتحولت مع الأيام، في محاولة قطريّة أثبتت عدم جدوها، إلى شأن دولي وإقليمي، طغت فيه المصالح الآنية على آفاق التعاون المستقبلي، وتراجعت استراتيجية التنسيق في القضايا الكبرى من دول الجيران، خاصة تركيا وإيران، حيث لم تعملا فقط من أجل تنفيذ أجندتهما الخاصة، ولكنهما عوّلتا كثيراً على شقّ الصف الخليجي، في إطار القضاء على ما تَبَقّى من شكل وحدوي في الوطن العربي. اليوم تعود الأزمة إلى مربَّعها الأول، أي تعود إلى البيت الخليجي، بدعم عربي. ومن ذلك مثلاً: توجيه الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة رسائل خطية بوساطة وزير الشؤون الخارجية عبد القادر مساهل إلى تسع دول عربية، منها: سلطنة عمان، والأردن، والعراق والكويت، بالإضافة إلى الدول الأربع المقاطعة وقطر، تضمَّنت الدعوة إلى حل الأزمة عربياً، مُعْلناً تأييده للوساطة الكويتية. وعلى المستوى الدولي نجد الحضور من خلال إعلان وزارة الخارجية الأميركية عن توجّه مَبْعُوثَيْن إلى منطقة الخليج الأسبوع الحالي، هما: تيموثي ليندركينج نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون الخليج، والجنرال المتقاعد بمشاة البحرية الأميركية أنتوني زيني، من أجل الحوار مع الأطراف المعنية ودعم جهود الوساطة التي تقوم بها الكويت. وجود زيني في المنطقة سيساعد في «الإبقاء على ضغط متواصل على الأرض..»، كما جاء في إعلان وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون خلال الأسبوع الماضي، والذي ذهب إلى القول أيضاً: «.. نحن ملتزمون بحل هذا الخلاف واستعادة وحدة الخليج، لأننا نرى أن ذلك مهم للجهد المبذول منذ فترة طويلة لهزيمة الإرهاب في المنطقة». وتحمل الوساطة الكويتية عناصر قوة، قد تساعدها على الوصول إلى حل، أولها: قناعة كل الأطراف، بما فيها الدولية، على أن الحل يكون ضمن البيت الخليجي، وفي إطار عربي، وهذا يعني فشل الرهان على التدويل الذي تبنَّته قطر منذ بداية الأزمة. وثانيها: تحويل الوساطة الكويتية من مسعى أخوي بين الأشقاء إلى مطلب دولي. وثالثها: التعامل بجدية مع الدور الكويتي لحل الأزمة ليس فقط نتيجة الوصول إلى طريق مسدود، وإنما لظهور عجز أطراف إقليمية تدخلت، وأصحبت جزءاً من المشكلة وعقبة أمام الحل. ورابعها: تعطل مصالح عدد من الدول والشركات على خلفية الأزمة. وإذا كُنَّا لا نعرف فحوى الرسائل الخطية التي أرسلها الشيخ صباح الأحمد الصباح أمير دولة الكويت إلى مسؤولي الدول المقاطعة وقطر وعُمان، فإن التأكيد على توجيهها إلى القادة بشكل مباشر وعبر مَبْعُوثَيْن خَاصَّيْن، يشي بعملية فرز مستقبلية سواء بالرفض أو القبول، والأكثر من هذا الكشف عن الطرف المسؤول عن استمرارية الأزمة، وما سيترتب على ذلك من مواقف دولية. يبقى أن نشير هنا إلى مخاوف البعض من فشل الوساطة الكويتية على خلفية تتعلق بقطر، وهي أن هناك تصعيداً إعلامياً قطرياً غير مسبوق ضد الإمارات، في محاولة للتقليل من كل منجزاتها، بل وتسفيه لما تحقق على الأرض، وكأن قطر تعمل من أجل إفشال الوساطة من خلال دفع الآخرين إلى رفض أي حوار معها. لكن تصريح السفير السعودي في واشنطن، الأمير خالد بن سلمان، كان واضحاً حين قال: «أعتقد أن سياسات قطر تشكل تهديداً لأمننا الوطني، خصوصاً عندما تتدخل في سياساتنا الداخلية وتدعم المتطرفين». لكن هيهات، هيهات لما تُدبّر قطر وحلفاؤها.