قرر صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، جعل عام 2018 عاماً لمئوية الشيخ زايد، إذ يصادف مائة عام على ولادة المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وذلك لعرض إنجازات قائد استطاع تأسيس دولة في منطقة جغرافية وفي مرحلة تاريخية لم يكن أكثر المتفائلين يحلم بإمكانية تحقق مثل هذا الأمر فيها، لكنها بالتصميم والإرادة باتت اليومَ دولةً يشار لها بالبنان، ليس فقط في مجال التنمية والعمران، ولكن أيضاً في مجال بناء الإنسان الذي راهن عليه الشيخ زايد منذ توليه مقاليد الحكم في إمارة أبوظبي في السادس من أغسطس 1968، حيث بدأ العمل على بناء مشروع دولة الإمارات العربية المتحدة. تحمل مسألة ربط نشأة دولة الإمارات بمئوية الشيخ زايد، دلالات شديدة الأهمية فيما يتصل بدور وحضور شخصية القائد في بناء الأوطان. فكل من عرف هذه البقعة من العالم لم يكن يعتقد أن هناك إمكانية لتحقق «حلم زايد»، بل اعتقد كثيرون أن ما كان يذكره الشيخ زايد في لقاءاته مع المستشرقين، وحتى مع بعض أفراد شعبه، لا يتعدى كونه أحلاماً طوباوية.. لأن هذه المنطقة كانت خارج اهتمام السياسة الدولية، ولم يكن هناك ما يشير إلى أساسيات قيام دولة. لكن زايد وضع جانباً كل ما كان يقال ويكتب حول استحالة مشروع قيام دولة اتحادية في هذه الأرض، ونزل إلى الميدان باعتباره إنساناً إماراتياً، وليس كقائد فحسب، ليعمل مع مَن آمن من شعبه بحلم الدولة الاتحادية ومن الذين قدموا من أنحاء العالم للعمل في الدولة الوليدة. بدأ يبني دولة ويصنعها وفق مفاهيم وقيم عالمية، وهو اليوم يشار إليه كواحد من أعظم رواد البناء الوطني في العالم، وكصاحب فكر في العمل الجماعي، حيث وضع قواعد بناء دولة الاتحاد، لذلك فتجربته تصلح لأن تكون نموذجاً لبقية دول العالم، إذ شيّدها على أسس قوية بعدما أدخلها ضمن الفعاليات الإقليمية والدولية، ثم خطط لمستقبلها، حيث نرى الآن من الإنجازات ومن التقدم ما يثير انتباه المراقبين في العالم. بناء الوطن وبناء الإنسان، كانا الركيزتين للاستراتيجية وللفلسفة التي أعلنها الشيخ زايد كأساس لمشروعه السياسي، بدأ بأصغر جماعة، وهي القبيلة، حيث كانت إمارة أبوظبي عبارة عن قبائل، ومنها وسّع رؤيته السياسية لتشمل أول اتحاد عربي ناجح هو دولة الإمارات العربية المتحدة، بعد أن كانت إمارات متفرقة. وبهذا الإعلان انتشر فكره السياسي في أرجاء العالم وعرف به. في فلسفة الشيخ زايد لا يقتصر بناء الدولة على الجانب السياسي فقط، بل إن ضمان استمرارية ذلك البناء يتطلب بناء الإنسان في الوقت ذاته، لذا كان يردد دائماً أن الثروة الحقيقية هي الإنسان، وكان يُعنى بزرع القيم الدينية والأخلاقية وعلى رأسها حب الوطن، لأن الإنسان إذا أحب وطنه فلابد أن يكون عطاؤه خلاقاً، وهو ما حاصل على أرض الواقع. وبالعودة بالذاكرة إلى عام 1966، وفي مجتمع دولة الإمارات، يمكن القول بأن رؤية زايد لدولة وطنية كانت الشمعة المضيئة في المنطقة، فمثل هذه المفاهيم لم تكن متداولة حينها، لكن الشيخ زايد أسس فكراً حول الدول الحديثة سرعان ما بدأ علماء علم الاجتماع والسياسة يتحدثون عنه في أنحاء العالم. وكان رحمه الله يشرح أفكاره في المناسبات الإعلامية، وكان يثير اندهاشهم بما يقوله وما يحققه، وخلال فترة وجيزة استطاع مواجهة كل التحديات السياسية، مثل الاعتراف السياسي بالدولة الجديدة، وإيجاد حل لمشاكل الحدود مع دول الجوار، كما تغلب على المشكلات الاجتماعية، مثل التعليم والصحة والتشغيل والإسكان، علاوة على الأمن، وأصبحت دولة الإمارات في صدارة العمل العربي والإقليمي، وهي اليوم أيقونة الدول الناجحة في العالم. يريد رئيس الدولة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، وكان أحد الذين آمنوا بفلسفة الشيخ زايد، من مئوية زايد أن يدرك الجيل الجديد حجم التحديات والصعوبات التي واجهها المؤسس في الانتقال بهذه الدولة من صحراء إلى قِبلة للناس في أنحاء العالم، وأن يؤكد أنه بالإرادة والتصميم يمكن قهر المستحيل، وأن يبرز القدوة والنموذج الحقيقي الذي ينبغي السير على خطاه في حب الوطن.