يوماً بعد يوم يزداد الشيخ زايد، طيب الله ثراه، حضوراً في الوجدان، وتزداد ذكراه العطرة بهاءً، في قلوب الإماراتيين وشعوب منطقة الجزيرة والخليج العربية. لا، ليس هم فقط من يمتلك في زايد محبةً، بل غيرهم من شعوب العالم حظيَّ من حب زايد الكثير، الواقع العربي بكل ما فيه من فوضى واضطراب وأحزان، يدفع شعوبنا، أهلنا العرب، من شتى المنابت والأصول والبقاع، بالتطلع صوب زايد ومن تمثل بصفاته وقدراته وحكمته ومحبته التي وسعت كل شيء، كل الناس بما في ذلك (الحجر والشجر). وهذه ليست مبالغة أو كلاماً في المجاز الأدبي، بل حقيقة عرَفها عنه الناس ولمسوها باليد والقلب والعين، فقد كان يوصي مسؤولي معسكرات الإغاثة التي كان يأمر بإقامتها في شتى بقاع العالم حيث الأزمات والكوارث، أياً كانت طبيعتها، أن يكون التعامل مع البشر جميعاً بالتساوي من دون تفريق، وتقديم المساعدة المتوافرة والممكنة لمحتاجها من دون استفسار في مثل هذه المواقف، بصرف النظر عن ألوانهم أو أعراقهم أو معتقداتهم (فكلهم من خلق الله، ونحن نعمل لوجه الله وللإنسانية) ومن دون منّة أو انتظار جزاء. حدث هذا في أفريقيا أيام المحن والقحط والجوع، وحدث في آسيا أيام الكوارث الطبيعية، سيولاً وزلازل، وحدث هذا في أوروبا، شرقية كانت البلدان فيها أم غربية، وحدث هذا في البوسنة والهرسك فترة البأس الشديد، وفي غير مطرح على الكوكب. أينما وجدت حاجة الناس وجد زايد حاضراً، مدداً سريعاً يفيضُ عن الحاجة المطلوبة، دواءً وغذاءً وكساءً، ثم متابعة حثيثة حتى النجاة، والمحافظة على استمرار أرواح الناس، تسعى في الأرض تعمّرها، تنشر الحُب أطفالاً جيلاً بعد جيل، فلزايد في كل أرض حبة أنبتت فراديس من السنابل، والله يضاعف لمن أقبل عليه مُحباً للناس وقلبه سليم، لا يفرق بين أبيض وأسمر. حينما يتأمل المرء حياة المغفور له الشيخ زايد، طيب الله ثراه، منذ حياته المبكرة في مدينة العين - ولد عام 1918 - وحتى غيابه نوفمبر عام 2004، يكتشف أن حياته كلها كانت من أجل الإنسان والعمل، كانت في جلّها مبادرات إيجابية من أجل البناء والتعمير، من أجل عمل الخير، من أجل صناعة الإنسان الصالح القوي المنتج والمحب للوطن ولشعبه وللناس أجمعين. لقد كانت قيادته للبلاد قيادة فريدة من نوعها، فقد اعتمد في جلها على المبادرات، بل لعله كان المتميز في فترته الزمنية بين قادة العالم الذي اعتبر المبادرة معياراً للقيادة. لم يكن رئيساً فقط يسيّر شؤون البلاد ويجهد على تنميتها وتطويرها وبناء قوتها، بل كان رحمه الله، زعيماً وظاهرة إنسانية حكيمة، عبرت الحدود الوطنية والقومية لتكون عالمية بامتياز. هذا ما شهد به أقرانه من قادة ورؤساء العالم، عرباً وإسلاميين وأجانب. رحم الله «زايد» في الخالدين.