انتقل النظام القطري من الدفاع إلى الهجوم نتيجة المواقف الدولية المتخاذلة التي حكمتها لغة المصالح، فقدم شكويين متتاليتين ضد الدول التي كشفت دعمه السافر للإرهاب، واحدة في منظمة التجارة العالمية تتهم الدول المقاطعة بانتهاك قواعد المنظمة، والثانية في مجلس الأمن وفيها تتهم مصر بأنها تستغل رئاستها لجنة مكافحة الإرهاب في تحقيق أهداف سياسية خاصة، ومحاولة تصفية حسابات مع دول معينة. وأتناول بحكم تخصصي الشكوى الثانية، وقد ردت مصر بأن الشكوى تضمنت العديد من المغالطات والأكاذيب، وقال رئيس بعثتها في الأمم المتحدة بنيويورك إن الوفد القطري هو الوحيد الذي يردد هذا الاتهام، بينما يشيد الجميع بجهد مصر في رئاستها اللجنة، وشرح أبعاد هذا الجهد، وبين أن ثمة سجلاً معروفاً لدولة قطر في دعم الإرهاب في سوريا والعراق وليبيا وغيرها، ودلل على هذا بما أبرزته تقارير صادرة عن فريق خبراء لجنة عقوبات ليبيا التي سبق أن تم عرضها على مجلس الأمن. وكذلك قدم تفسيراً لتوقيت مذكرة التفاهم التي أُبرمت بين الولايات المتحدة وقطر، وسياق هذه المذكرة مفاده أنه لم يكن متصوراً قيام الدوحة بتوقيعها لولا كشف ممارساتها من قِبَل الدول التي قاطعتها والتدابير التي اتخذتها، وأشار إلى سابق مطالبة مصر مجلس الأمن بالتحقيق فيما يتردد عن قيام النظام القطري في حالات محددة بدعم الإرهاب. لا شك أن هذا الرد قد ضرب الشكوى القطرية في الصميم، ولكن ثمة ملاحظات يمكن أن تُثار في هذا الصدد، أكتفي منها باثنتين، أولاهما أنني أحسست أن اللغة الدبلوماسية للخطاب لم تكن بالشدة المطلوبة مع أن الصحف المصرية وصفتها بأنها «شديدة اللهجة»، ولا أتصور بطبيعة الحال أن يستخدم الرد لغة غير دبلوماسية، ولكن لهذه اللغة درجات تتضح للوهلة الأولى من متابعة أي نقاش يجري في محافل الأمم المتحدة بشأن قضايا حساسة كالقضية التي نحن بصددها، وقد كان بمقدور الوفد المصري على سبيل المثال ألا يكتفي عند كشفه سجل النظام القطري بتقارير فريق خبراء لجنة عقوبات ليبيا، فلدينا تصريحات عديدة من مسؤولين سابقين شغلوا مواقع حساسة في الولايات المتحدة وأوروبا، وكذلك خبراء في قضية الإرهاب وباحثين أكاديميين لهم وزنهم آخرهم من تحدثوا أمام اللجنة الفرعية للشؤون الخارجية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمجلس النواب الأميركي الشهر الماضي. وقد أجمعت هذه التصريحات كافة على تورط النظام القطري في دعم الإرهاب، هذا بالإضافة إلى ما لدينا من وقائع دامغة بخصوص تدخلات النظام القطري في الدول العربية من خلال دعمه جماعات إرهابية. وكمواطن مصري، أستطيع أن أسرد على الفور وقائع عديدة مثبتة بالصوت والصورة تثبت ما أقول، وأرشيف «الجزيرة» وحده كافٍ في هذا الصدد. أما الملاحظة الثانية، فهي تتعلق بتفسير الرد المصري لتوقيع مذكرة التفاهم الأميركية- القطرية، وهو تفسير يوحي بأن النظام القطري قد اضطُر لتوقيعها بعد أن كشفت الدول المقاطعة ممارساته. والحقيقة أنني لا أستطيع أن أتجنب الانطباع بأن توقيع هذه المذكرة جاء جزءاً من عملية إنقاذ النظام القطري من الغرق، فهو وفقاً لمنطق المذكرة، جدير بأن يتفق على مكافحة الإرهاب مع أقوى دولة في العالم، ناهيك عن أنها تجعل من مكافحة الإرهاب أولويتها الأولى. ولو لم يكن الأمر كذلك لما تفاخر النظام القطري بالمذكرة كدليل على براءته، خاصة وقد خصته الإدارة الأميركية بصفقة طائرات مقاتلة باثني عشر ملياراً من الدولارات ومناورات عسكرية مشتركة. أختم بالقول بأنني أشعر بأننا لم نفعل كل ما هو مطلوب بعد في كشف النظام القطري، فقد جعلت اعتبارات المصلحة ومخططات الدول التي استخدمت النظام القطري أداة لها في المنطقة، عديداً من المواقف الدولية يتصف بالميوعة، ولا بد من عمل يحرج هذه المواقف، وأقترح تحديداً أن تعمل الدول المقاطعة الأربع على تأليف «كتاب أسود» بكل اللغات، يكون شاملاً ومختصراً للبراهين الدالة والوقائع الدامغة على سلوك النظام القطري، ويمكن لمجموعة خبراء وأكاديميين تُشكل من الدول الأربع، أن تقوم بهذا العمل، مع توفير الوثائق كافة لها حتى يعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.