خلال الفترة الماضية، ومنذ اندلاع الأزمة بين كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين وجمهورية مصر العربية من جانب، والنظام في قطر من جانب آخر، والتي نتج عنها قطع العلاقات الدبلوماسية والقنصلية بين الجانبين، وأنا أتابع بعض ما يصدر من وسائل الإعلام وخاصة على «الإنترنت». وأقرأ بعض التحليلات الغربية لموقف الجانبين، وتحديداً ما يتعلق بردود الفعل القطرية، ويزيد يقيني يوماً بعد يوم بأن نظام الحكم في قطر ماضٍ في طريق يصعب عليه، بل يستحيل العودة منه وتلبية مطالب الدول الأربع التي تنادي بمكافحة الإرهاب. والسبب وراء ذلك يعود إلى الاستراتيجية التي تبناها نظام الحكم القطري والتي نتج عنها مثلث الشر: الإرهاب، الإعلام والمال. الضلع الأول يتمثل في دعم نظام الحكم في قطر المباشر والعلني للجماعات الإرهابية التي تختفي خلف ستار الدين وأبرزها جماعة «الإخوان»، التي استطاعت أن تُرسخ جذورها منذ عقود طويلة في مفاصل المجتمع القطري، سواء في المؤسسات الحكومية أو التعليمية أو المدنية. وقد نجح رموز الجماعة الذين «استوطنوا» قطر، وعلى رأسهم داعية الإرهاب والانتحار «يوسف القرضاوي»، في السيطرة ليس فقط على أماكن صنع القرار السياسي، بل على صنع وتنشئة المواطن القطري البسيط تعليمياً ودينياً، حتى أصبحنا نراه في وسائل الإعلام المختلفة يتحدث بلسان «الإخوان»، ويدافع عنهم وعن توجهاتهم. أما الضلع الثاني من مثلث الشر القطري فيتمثل في الآلة الإعلامية الضخمة التي أسسها نظام «الحمدين» منذ انقلاب «حمد» على أبيه في منتصف تسعينيات القرن الماضي. وتضم تلك الشبكة ثماني وسائل إعلام مرئي ومسموع ومقروء رئيسية تبث بالعديد من اللغات وموجهة لمجتمعات عربية وأجنبية، وقد انضم إليها التلفزيون الحكومي القطري منذ اندلاع الأزمة. والرسالة الإعلامية الموحدة لتلك الوسائل هي ترسيخ مبدأ «المظلومية» وبأن الشعب القطري ضحية دول الجوار التي «تحاصره» إضافة إلى التركيز طوال اليوم على بث رسائل مغلوطة وأكاذيب وافتراءات الهدف منها خداع المواطن القطري وإيهامه أنه ضحية مؤامرة. ولطالما ركزت آلة الإعلام القطرية قبل الأزمة على نشر رسالة «الإخوان» ومعاداة أي دولة تحارب تلك الجماعة الإرهابية، أما بعد الأزمة، فقد فوجئت شخصياً بحجم الكره والضغينة التي أظهرها الإعلام القطري لأشقائه في مجلس التعاون لدول الخليج العربية. والضلع الأساسي في المثلث يتمثل في «المال» القطري الذي يسخره نظام الحكم لخدمة أهدافه الإرهابية. وللتدليل على هذا دعونا، على سبيل المثال، نقارن بين استخدام دولة الإمارات العربية المتحدة لمداخيل النفط والغاز وبين استخدام النظام القطري لعوائد الغاز بشكل رئيسي. فالدولة الأولى ما فتأت تُسخّر المال العام لإسعاد المواطن وبناء أفضل البنى التحتية على مستوى العالم، وتطوير الخدمات التعليمية والصحية ونشر الأمن والأمان، حتى تبوأت الإمارات أعلى مراتب التصنيفات العالمية في العديد من المؤشرات. وعلى الجانب الآخر، نجد نظام الحكم في قطر يستغل دخل الدولة من تصدير الغاز في دعم الحركات الإرهابية وتأسيس إمبراطورية إعلامية تخدم أهداف الجماعات الإسلامية المتطرفة، ودفع الرشاوى لاستضافة أحداث عالمية رياضية ومحاولات قلب أنظمة الحكم في بعض البلاد. كما تقوم الدوحة بتسليح التنظيمات الإرهابية مثل «الإخوان» و«القاعدة» و«طالبان» و«جبهة النصرة» وميليشيات «الحشد الشعبي» و«حزب الله» وجمعية «الوفاق» المنحلة في مملكة البحرين. أضف إلى ذلك قيام نظام الحكم القطري بتمويل أنشطة التنظيمات الإرهابية في عدة دول، منها مصر وموريتانيا وليبيا والصومال. وشتان بين من يحارب الإرهاب ويحظر تنظيماته وينشر الوعي حول أخطاره، ويؤسس إعلاماً هادفاً ويسخر المال في مجالات الخير، وبين من نجح وبامتياز في تأسيس مثلث للشر أضلاعه الإرهاب والإعلام والمال، بهدف تدمير الشعوب ونشر الفساد. د.عبدالله محمد الشيبة* *باحث إماراتي