في نهاية العام 2011 نظمت مجموعة قليلة من القطريين الأكاديميين والمسؤولين الحكوميين السابقين صالوناً يناقشون فيه مشاكل بلدهم، وجمعوا كل الأوراق ثم طبعت في كتاب بعنوان معبر هو: «الشعب يريد الإصلاح في قطر أيضاً». ولكن الكتاب الذي طبع في لبنان منع من دخول قطر. كل المشاركين كانوا ولا يزالون ممنوعين من الظهور على القنوات الإعلامية، وبالتأكيد محرمة عليهم قناة «الجزيرة». حين تسنح الفرصة لك للحديث مع مواطن قطري ناطق بالعربية، يفكر ألف مرة قبل أن يبدي رأيه أو امتعاضه من سياسات قيادته، يكاد يهمهم بعدم رضاه عن القرضاوي مثلاً، عن تهميشه وهو مواطن وتمكين غيره من المقيمين. حين تفتح حديثاً مع مواطن قطري في بلده يلمح إليك وهو وجِل بأن بلده يتغير بشكل يجعل من أبنائه غرباء. هذه قصة حدثت معي العام 2007، ففي العيد الوطني في العام 2012 ظهر الناس لي سعداء طيبين ملتحمين بشكل لا يمكن تصوره مع امتدادهم الأكبر في الخليج، في السعودية والإمارات. الملفت أن القطريين الذين يظهرون على وسائل الإعلام هذه الأيام على «الجزيرة» وتلفزيون قطر وعلى القنوات الدولية الناطقة بالعربية هم مثيرون للاهتمام. هم مختلفون إلى حد كبير عن تصورنا عن القطريين الذين كنا لا نراهم إعلامياً إلا لماماً، بعضهم كان يتصور أنهم لا يملكون ألسنة، أو عاجزون عن الكتابة. الحقيقة أن الحرية والقمع والخوف هو ما يطلق الألسنة والأقلام أو يكفها، فليس هناك ما يمكن فهمه خارج هذه الحقيقة. وهذه الحقيقة كما تنطبق على القطريين تشمل غيرهم من جيرانهم الخليجيين. طوال أكثر من عشرين عاماً كان أشهر معلقينِ من الخليج ممن كانوا ضيوفاً دائمين على «الجزيرة» متماهين إلى حد كبير مع خطها التحريري، هما القطري والسعودي السابق محمد المسفر، والكويتي عبدالله النفيسي. منذ يونيو الماضي وقطر تزج بأبنائها وتحرضهم للتعليق على القنوات وكتابة المقالات التي تتناول أسباب الأزمة الخليجية/ القطرية. القطريون هم الذين تسيدوا الظهور. إنها المرة الأولى التي نشهد فيها هذا الكم من الأكاديميين والإعلاميين من القطريين أبناء القبائل والعرب لابسي العقال يتحدثون. ولأنها كانت أزمة عميقة تمس اللحمة والقرابة وتضرب عميقاً في الولاء، فقد كان ظهور القطريين رسالة للدول الأربع ولغيرها ملخصها أن القطريين أنفسهم وليس عملاؤهم هم من يرفضون العقوبات والمقاطعة، ويلتفون حول قيادتهم! مقارنة بالقنوات فإن الجرائد القطرية لا تزال ضعيفة في التقارير والمقالات، يغلب عليها التسطيح والردح. لا يمكنك أن تجد فيما تنشره الصحف القطرية ما يمكنك الاحتفاظ به والعودة إليه، أو تناوله بالتحليل. لا يمكن لأي أحد البتة أن يلوم الدول الأربع على ما اتخذته من إجراءات لحماية استقرارها وخنق مساعي الدوحة الشريرة. ولكن هل يمكننا أن نضع احتمالاً أن عزل مواطني قطر بسبب سياسات قيادتهم كما هو الحال الآن سينتج عنه إن طالت الأزمة حال مشابهة لما عاشه العراقيون بعد سقوط صدام حسين من نظرتهم ضد السعودية والخليج. الآن فقط اكتشفنا أن أربعة عشر عاماً من عزلة العراقيين عن إخوانهم في السعودية والخليج كانت مدمرة، فقد بنت سدوداً من الضغائن والحقائق المشوهة والأساطير، والحسد، وجدهم فيها الإيرانيون لقمة سائغة للعبث بالعراق. يمكننا إعادة التفكير في هذا. علينا ألا نسمح لإيران ولا لتركيا ولا حتى تنظيم الحمدَين أن يسرق الشعب القطري من عمقه الأساسي. وأن نوقف عملية مأسسة الخلاف. فأعداء المجلس يسعون إلى بناء جدار حديدي من دون القطريين وإخوانهم. -------------- * كاتب سعودي