في الوقت الذي تشهد فيه حالياً أعداد فاقدي البصر والمصابين بالعمى تراجعاً مستمراً، يتوقع أن ينعكس هذا الاتجاه خلال العقود الثلاثة المقبلة، لتزيد أعدادهم من 36 مليوناً حالياً إلى 115 مليوناً بحلول عام 2050، حسب دراسة نشرت الأسبوع الماضي في إحدى الدوريات العلمية المتخصصة في الصحة الدولية (Lancet Global Health). وعلى المنوال نفسه، توقعت الدراسة التي أجراها علماء بجامعة «آنجليا رسكن» ببريطانيا، أن يتزايد العدد الإجمالي لفاقدي البصر والمعاقين بصرياً معاً، من 200 مليون حالياً إلى 550 مليوناً بحلول عام 2050، حسب تحليل البيانات والإحصاءات من 188 دولة حول العالم، تميزت دول جنوب آسيا ودول أفريقيا جنوب الصحراء من بينها بمعدلات هي الأعلى على صعيد أعداد فاقدي البصر والمعاقين بصرياً بين شعوب ومجتمعات تلك الدول. وترد الدراسة انعكاس الاتجاه الحالي نحو انخفاض الأعداد، ليبدأ في التزايد بحيث يبلغ ثلاثة أضعاف الأعداد الحالية، إلى سببين رئيسيين، تزايد عدد البشر إجمالاً، بالترافق مع تزايد مماثل في نسبة كبار السن نتيجة لزيادة متوسط أو مؤمل العمر، ضمن الظاهرة المعروفة بشيخوخة المجتمعات. فعلى صعيد الزيادة السكانية الإجمالية، شكل يوم 31 من شهر أكتوبر عام 2011، يوماً تاريخياً في رحلة الإنسان على سطح كوكب الأرض، حين أعلن صندوق الأمم المتحدة للسكان أن عدد أفراد الجنس البشري قد وصل إلى 7 مليارات، أي سبعة آلاف مليون شخص، مع توقع أن يبلغ 9.3 مليار بحلول عام 2050، و10.1 مليار بحلول عام 2100. وبناء على أن عدد أفراد الجنس البشري إبان بدايات الإمبراطورية الرومانية لم يكن يزيد على 100 مليون شخص، ليصل إلى مليار مع بدايات القرن التاسع عشر، استغرق بذلك عدد البشر ثمانية عشر قرناً، ليزداد من 100 مليون إلى مليار، ولكن في غضون القرنين الأخيرين فقط تضاعف عدد البشر سبع مرات، ليصل إلى سبعة مليارات، وبزيادة مقدارها ستة مليارات في مئتي عام فقط، مع توقع أن يصل إلى عشرة مليارات بنهاية القرن الحالي. والسبب الآخر، وربما الأهم، خلف التوقعات بازدياد أعداد المعاقين بصرياً وفاقدي البصر خلال العقود المقبلة، هو ازدياد مؤمل أو متوسط عمر الفرد، أو عدد السنوات التي يتوقع، أو يؤمل للمرء أن يحياها، عند ولادته، في بلد ما، خلال فترة زمنية محددة. فعلى سبيل المثال، في الوقت الحالي، يتوقع للإناث اللاتي يولدن في اليابان، أن يعشن لفترة تقارب 87 عاماً، بينما يتوقع للإناث اللاتي يولدن في «سوازيلاند» بالجنوب الأفريقي، أن يعشن لفترة تقل قليلاً عن 49 عاماً. ويعتبر المتوسط العالمي العام، لمؤمل أعمار أفراد الجنس البشري، والبالغ 67 عاماً حالياً، نقلة مفصلية في تاريخ التطور البيولوجي للإنسان. وهو ما يتضح من حقيقة أن مؤمل عمر الفرد في عصر الإمبراطورية الرومانية، كان يتراوح ما بين 20 إلى 30 عاماً، ليصل في عصور الخلافة الإسلامية المتأخرة إلى أكثر من 35 عاماً فقط. والمؤسف أن 80 في المئة من حالات قصور البصر، بأنواعه ودرجاته المختلفة، هي نتيجة أسباب كان من الممكن تجنبها والوقاية منها، أو علاجها والشفاء منها. ومن المنظور العالمي، تعتبر عيوب الانكسار، مثل طول النظر، وقصر النظر، و«الاستجماتيزم»، هي الأسباب الرئيسة خلف ضعف البصر المتوسط والشديد، أما بالنسبة إلى فقدان البصر التام، فتعتبر «الكتاراكت» أو قتامة عدسة العين -المياه البيضاء- هي السبب الأهم، وخصوصاً في الدول متوسطة الدخل والفقيرة. وفي الوقت الذي نجح فيه الطب الحديث خلال العقدين الماضيين في خفض أعداد من يصابون بقصور البصر، نتيجة أحد أنواع الأمراض المعدية، يظل مرض «التراكوما» إحدى أهم مشكلات الصحة العامة في 42 دولة من دول العالم، حيث يعتبر هذا المرض المعدي مسؤولاً وحده عن إصابة 1.9 مليون شخص بضعف البصر أو فقدانه التام. وبغض النظر عن السبب خلف فقدان البصر أو ضعفه، يحقق الاستثمار في سبل العلاج المتاحة والفعالة، والسهل تنفيذها حتى في المناطق النائية والفقيرة، مثل جراحات «الكتاراكت» للمصابين بقتامة عدسة العين، أو النظارات الطبية لمن يعانون من مشاكل في الانكسار، أفضل عائد على صعيد تحسين نوعية حياة المعاقين بصرياً، وكسر عزلتهم واعتمادهم على الآخرين في حياتهم اليومية، ومنحهم الفرصة الكاملة لتحقيق تطلعاتهم، وتفعيل مساهمتهم في الناتج الاقتصادي لمجتمعاتهم.