هناك إرهاصات في متغير العلاقات العراقية ـ السعودية بمؤشرات قوية، تفضي إلى درجة يمكن القول فيها بأنها تسير في الاتجاه الصحيح في التقارب بين بلدين عربيين، بعد غياب عربي طويل في العراق، يمكن حسابه سياسياً بـ"الخطأ" الذي طال تصحيحه. ما أثار ذلك الزيارة الأخيرة للسيد مقتدى الصدر زعيم "التيار الصدري" إلى الرياض في 30.7.2017 . في هذا السياق، سبق أن زار السعودية كل من رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، ووزير الداخلية قاسم الأعرجي. وفي شأن زيارة الصدر أصدر مكتبه بياناً أجمل فيه: "أن الآراء توافقت بين الصدر والأمير محمد سلمان ولي العهد السعودي حول عدد من القضايا، التي تهم العراق ووحدته وأمنه وتعزيز التعاون في عدة مجالات، وفرص الاستثمار في العراق والإسهام في تنمية مناطق الجنوب ووسط العراق والمساعدات الإنسانية، وفي ذلك أمر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بتقديم 10 ملايين دولار إضافية لمساعدة النازحين عن طريق الحكومة العراقية. كما أشار البيان إلى أنه تم بحث سرعة افتتاح المنافذ الحدودية لتعزيز التبادل التجاري بين البلدين وتبني خطاب ديني وإعلامي معتدل، كما ناقشا العلاقات الثنائية مع دول الجوار. وبعد عودته من الرياض أمر بإزالة الصور والشعارات المعادية للسعودية. عبدالرحمن الراشد في مقال له بـ "الشرق الأوسط" ذكر "أن هذه الزيارة الشجاعة?تدل على تحديه لسياسيين مثل نوري المالكي. موقف "الصدر" وعدد من القياديين العراقيين ليس ضد العلاقات الجيدة مع طهران، بل ضد هيمنتها، وضد تحويل المياه النهرية على الحدود والحفريات في المناطق البترولية المجاورة. في التحليل السياسي لواقعة ما، لا يمكن التسليم بظاهرها بل أخذها بحذر، ومنها ينبثق السّؤال: هل هذه الزيارة شبيهة بزيارته السابقة في 2006 للسعودية?ودوّل عربية أخرى?ضمن حملته الدعائية في الاستفتاء المقبل في العراق لكسب بعض السياسيين السنّة والشيعة الذين يريدون التقرب من الدول العربية؟ لأن حينذاك رجع بعدها إلى رفع شعارات معادية للسعودية. وإذا كانت المعادلة الجديدة تتطلب مثل هذه التفاعلات، فمن الممكن تلي زيارة الصدر زيارة لعمّار الحكيم وغيره..ربما لدخول العراق في معادلة "السياسة الوطنية" بتشجيع من الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية. لاستكمال تحليلنا لإرهاصات التقارب السعودي- العراقي، يستدعي ذلك حضور إيران المتغير الأول فيه. والسؤال يذهب لحيثيات قدرة مقتدى الصّدر مرجعه الديني "الحائري" وهو إيراني الذي يعمل لدى المرشد علي خامنئي. و"الصدر" عادة ما يذهب لإيران ويمكث هناك في بيته لفترة بحجة الاعتكاف؟ أمر يحتاج إلى نظر؟ إذا كانت العراق مقبلة على تحول لإعادة تشكيلها بنمط وطني، فإن هذا يتطلب تفكيك الكانتونات الدينية والطائفية وكذلك تفكيك الميليشيات التي تعمل خارج نص الحكومة، وفك الارتباط بالحرس الثوري الإيراني. إذا كان هذا التوجه من ممهدات العودة الأميركية للعراق لمرحلة "ما بعد الموصل"، فإيران لن تستطيع إيقاف هذا النهر؛ فهي براغماتية في امتصاص الصدمات وحصل ذلك أيام الرئيسين بوش وأوباما. وسوف تشجع مريديها من أمثال حيدر العبادي والصدر وعمّار الحكيم في الانصياع لهذه المعادلة مع إبقاء روابطها، مهما كان الأمر سوف يتغير ميزان العراق، ما سيسمح لجميع المكونات بأخذ دورها في تشكيل عراق جديد. في العراق هناك أقطاب من شيعة العراق لا يسرّهم نفوذ إيران الكاسح في بلدهم، ولا يمانعون في نفوذ آخر، يوازن النفوذ الإيراني، وهذا الأمر ينطبق على عمَّار الحكيم الذي استقال من المجلس الشيعي؛ ليؤسس "تيار الحكمة الوطني" ليفصل الشباب عن جيل مؤسس المجلس من ذوي الهوى الإيراني الذين أسسوه مع عمَّار في طهران، بينما حيدر العبادي قد يؤسس حزباً جديداً باسم"الحرية وإعادة البناء" ينشق به عن "حزب الدعوة" الذي يقيم زعامته الفعلية نوري المالكي. وكذلك "الصدر" سيعمل على تأسيس حزب جديد غير طائفي ليتوافق مع المرحلة المقبلة.