لديّ وجهة نظر بسيطة عن الحكم في الوقت الراهن، ألا وهي أننا في خضم ليس فقط تغير مناخي واحد وإنما ثلاثة تغيرات مناخية في الوقت ذاته، وعلى الحكومات أن تساعد مواطنيها على مواجهتها، ولا يبدو أن الإدارة الأميركية لديها حلول لذلك، بينما تمتلك الصين الحلول. وما أقصده هو أننا في خضم تغير المناخ، تخطينا مرحلة التأجيل إلى مرحلة الإلحاح، ففي الماضي كان يمكننا تأجيل معالجة أية مشكلة بيئية أو مناخية أو معالجتها في وقتها، والآن، لم يعد التأجيل خياراً، لأنه سيكون قد فات الأوان. ففي مرحلة ما، لن يصبح من الممكن التراجع عن إزالة غابات «الأمازون». ونحن أيضاً في خضم تغير في «مناخ» العولمة، إذ نتحول من عالم مترابط إلى عالم تعتمد فيه كل دولة على الأخرى، وفي ذلك العالم، يمكن أن يتسبب الأصدقاء في الأذى أسرع من الأعداء، ودعونا نفكر، ماذا لو أخفق الاقتصاد المكسيكي، أو أضحى إخفاق الدول المنافسة أشد خطراً من صعودها، ولاسيما أننا سنتضرر أكثر بكثير من انهيار الاقتصاد الصيني أكثر مما لو اقتحمت بكين بدباباتها جزراً في بحر الصين الجنوبي. وأخيراً، نحن في خضم تغير في «مناخ» التكنولوجيا، إذ نمضي قدماً نحو عالم يمكن فيه للماكينات والبرامج الإلكترونية التحليل، من خلال الاطلاع على الأنماط التي كانت موجودة من قبل، والاختيار، إذ تخطر الطائرة على أي ارتفاع تطير في كل ميل للحصول على أفضل كفاءة للوقود، والتكهن، بإخبارك متى سيتعطل مصعدك لإصلاحه قبل أن يتعطل، والتصنيع وفق الطلب، بتفصيل أي منتج أو خدمة لك وحدك، ورقمنة وأتمتة أي وظيفة. وبالطبع، يحول ذلك القطاعات كافة. والحكم في الوقت الراهن يتعلق بكيفية إعداد المجتمع للحصول على أفضل استفادة من تلك التغيرات المناخية الثلاثة، وتفادي أسوأ تداعياتها. ومن المؤسف أن ذلك لا يمثل أولوية لمجتمعنا حالياً، فنحن نتعامل مع الحكم على أنه مسألة ترفيهية. وبعض المحافظين يزعم أن ذلك أمر جيد، فكلما كانت الحكومة أصغر، كلما كان ذلك أفضل، ولندع السوق يحكم، وأنا أختلف مع وجهة النظر هذه، ذلك أن ما جعل الولايات المتحدة عظيمة كان حكومة مهدت التربة الملائمة للتعليم والنظم والهجرة والأبحاث والبنية التحتية، والقطاع الخاص النشط هو الذي زرع كافة أنواع الزهور في تلك التربة. وهذا ينقلنا إلى الصين، إذ إن إدارتها تتعامل مع الحكم بجدية، وبطريقة حازمة ومؤثرة. ويستيقظ قادتها كل صباح ويسألون أنفسهم سؤالين. الأول: كيف نبقى في السلطة؟ وإجابتهم على ذلك السؤال هي: أن نستخدم التكنولوجيا في السيطرة على شعبنا. وتلك الطريقة حققت نتائج أفضل من المتوقع حتى الآن، لأن قادة الصين ركزوا على توجيه السؤال الثاني: ما هو العالم الذي نعيش فيه؟ وهو ما يفضي إلى السؤال عن أكبر القوى التي تشكل ذلك العالم، ونوع الاستراتيجية الوطنية اللازمة للاستفادة القصوى من تلك القوى وتفادي مساوئها. وبالتالي، يدرك القادة في الصين أننا في خضم تلك التغيرات المناخية الثلاثة، وقد صاغوا استراتيجية «صنع في الصين 2025»، للازدهار في إطارها، وهي خطة لتدشين البنية التحتية والاستثمارات والتعليم واللوائح، التي تمكن الشركات الصينية من القيادة في ظل الأنظمة الحاسوبية الفائقة والمواد الجديدة والماكينات التي تسيطر عليها أجهزة الكمبيوتر، والروبوتات الصناعية، والمركبات التي تسبح في الفضاء والجو، بما في ذلك الطائرات من دون طيار، والسيارات الصديقة للبيئة، والطاقة النظيفة، والأدوية الحيوية، والجيل الثاني من الأدوات الطبية. وعلى النقيض، لم يتخذ الرئيس ترامب مستشاراً علمياً، وانسحب من اتفاق باريس حول المناخ من دون أية مشورة من العلماء، واقترح موازنة للعام المالي 2018 ألغت معمل الابتكار في وزارة الطاقة، وقلص التمويل لكافة معاملنا الطبية والعلمية الوطنية البارزة، التي تقدم أبحاثاً أساسية لتكنولوجيا الأجيال المقبلة، التي تستثمر فيها الصين الآن بقوة. وفي هذه الأثناء، نرى الجدال بشأن الرعاية الصحية، والخلافات بين مساعدي ترامب، التي تخلو من أي سجالات بشأن كيفية الازدهار في عالم يجابه تلك التغيرات المناخية الثلاثة. وذلك أمر خطير جداً، لأن وتيرة التغيرات تتسارع على صُعد المناخ والتكنولوجيا والعولمة في آن واحد، وأخطاء صغيرة في توجيه القيادة يمكن أن تكون لها نتائج ضخمة. وقد آن الأوان لكي يتعاون الحكماء من «الجمهوريين» و«الديمقراطيين» في الكونجرس، ويتولوا دفة التوجيه. --------------- * كاتب ومحلل سياسي أميركي يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»