يتولَّى إعلاميون عرب الدّفاع عن قطر من خلال منصَّات إعلامية في الدوحة، ويعتقدون أنهم يٌحْسنون صُنْعاً، وبالتأكيد هم ليسوا محل مساءلة من أيِّ طرف، فذلك اختيارهم، الذي يحدد موقعهم ضمن السياق العام لحركة الفعل السياسي في دولنا، وستسجل مواقفهم تلك في التاريخ، إذا اعتبرهم هذا الأخير يوماً ما أنهم مشاركون في صنعه، غير أنهم يواجهون بمواقف ظاهرة أو مستترة من بلدانهم الأصلية أولاً، ومن الدول المقاطعة لقطر ثانياً، وهذا يعني أن مواقفهم تكتيكية - آنية، وليست استراتيجية دائمة. وبغضّ النَّظر عن رفض مواقف الإعلاميين العرب أو قُبُولِها من الجمهور العربي، فإنهم بتبرئة قطر وتصويرها بأنها الضحيّة، وتزوير الحقائق، ونشر الأباطيل والشائعات، يُسْهِمُون في فتنة قد تطول لسنوات، وستنتهي بقطر إلى وضع أسوأ من ذلك الذي تعيشه دول عربية أقوى وأكبر وأكثر تأثيراً منها في المنطقة والعالم.. هنا لا بد من توضيح مسألة غاية في الأهمية، وهي: أن الأزمة الراهنة بين الدول الأربع وقطر هي بالأساس خليجية، ولن تحل إلا داخل البيت الخليجي، مهما تعددت المبادرات العربية والدولية للتقريب حتى لو جاءت من الولايات المتحدة الأميركية وباقي الدول الكبرى الفاعلة والمؤثرة في صناعة القرار على المستوى الدولي، ولذلك لا يزال الرهان على الدَّور الكويتي قائماً. من ناحية أخرى، يصعب على المُراقب أو المُتابع فهم الدور الحقيقي لكثير من الإعلاميين العرب، سواء من هم مقيمون في قطر، أو من هم خارجها، لكن يتعاملون مع مؤسستها الإعلامية، حيث يدعون جهاراً إلى استمرارية الأزمة، وقد يعود ذلك إلى تحقيقهم أهدافاً بعينها، وهم يعرفون أن تعنّت قطر في موقفها لجهة عدم حل الخلاف داخل البيت الخليجي سيؤدي إلى تصادمها الدائم مع تلك الدول، حتى لو انتهت المقاطعة، والمسألة ليست فقط في حل الأزمة الحالية، ولكن في علاقتها بأشقائها في المستقبل حتى لو اعتمدت على تركيا وإيران على النحو الذي نراه اليوم. وفي ظل هذا الوضع العربي المُتأزَّم، يصبح التعويل على ميراث الحكمة في حلِّ الخلافات هو الأقرب للصواب، مقارنة مع خطاب إعلام الفتنة، وبالطبع هذا غير وارد الآن لدى كثير من الإعلاميين العرب المؤيدين لقطر، أولئك الذين يريدون إعادة أيام (داحس والغبراء)، وهم يستنسخون تجارب دموية مع دولهم، وهنا يطرح السؤال الآتي: كيف لأولئك الإعلاميين أن يكونوا طرفاً في أزمات دولهم، لدرجة أن بعضهم يدعوا إلى تدخل دولي في بلاده للقضاء على السلطة القائمة، ثم يعول عليهم أن يقولوا خيراً بالنسبة للأزمة الراهنة؟ إذا تعمَّقنا في الأمر أكثر سنُلاحظ أن دفاع بعضهم بالباطل على قطر، غير مؤسس ولا مقبول لأن من لا يُحب ويخلص لبلاده حيث النشأة والمنبع، لا ينتظر منه أن يكون مُحباً ومُخْلِصاً لبلاد الهجرة والمصب، لأن الأوطان ليست مجموعة مكاسب ومنافع ومصالح فحسب، ولكنها انتماء وهوية وتكون ثقافي واجتماعي، ونحن هنا لا نُقيَّم مواقفهم من ناحية الصواب أو الخطأ، وإنما لجهة التأكيد على أن المقدمات الفاشلة تنتج نهاية فاشلة، خاصة إذا اختصرت الدول والأوطان في حزب أو جماعة أو شخص، أي حين تطغى السياسة والمصالح على الانتماء والتضحيات.. ليكن الإعلاميون العرب في قطر وفي غيرها دعاة سلام وحب، وليعلموا أن قطر الدولة والتاريخ والجغرافيا ـ وليس الأفراد ـ لها خليج يحميها من عبث السياسيين، ومن أباطيل الإعلاميين، ومن تغول خصوم العرب، ومن تربّص أصحاب المصالح النفعية المباشرة، دعاة الفتنة بمبررات مختلفة، ذلك لأن أهل الخليج هم أولى بها. ــــــــــــــــــــــ *كاتب وصحفي جزائري ،