مرّت المالديف، وهي دولة مكونة من مجموعة من الجزر وتشتهر بأنها مقصد سياحي بسبب منتجعاتها الترفيهية باهظة الكلفة، وشواطئها الجميلة، بعدد من المنعطفات السياسية منذ عام 2008. ومرة أخرى تجد أصغر دولة في جنوب آسيا، التي يناهز عدد سكانها زهاء 400 ألف نسمة فقط، نفسها في خضم أزمة سياسية، في ضوء محاولة أحزاب المعارضة خلع رئيس البرلمان عبدالله محمد. وقد احتشدت المعارضة ضد رئيس البرلمان بسبب عرقلة مطالبها الرامية إلى استجواب عدد من المسؤولين، تتهمهم المعارضة بالتورط في الفساد. ومن ثم، تحوّل الأمر إلى معركة بين المعارضة والحكومة، لأن رئيس مجلس النواب حليف مقرب من رئيس الدولة "عبدالله يمين". ولمنع المعارضة من سحب الثقة من رئيس البرلمان، نشرت الحكومة جنوداً لمنع دخول أعضاء المعارضة إلى مقر البرلمان، ومن ثم عدم المضي قدماً في إجراءات سحب الثقة. ولا ريب في أن ذلك التطور السياسي خطير ليس فقط على استقرار الدولة، ولكن أيضاً على المنطقة بأسرها؛ ذلك أن الأزمة في المالديف ليست جديدة، والدولة تعج بالمشكلات السياسية منذ عام 2008، عندما تولى محمد نشيد منصب الرئاسة، إثر هزيمة مأمون عبدالقيوم، الذي حكم المالديف بقبضة من حديد طوال 30 عاماً. وطوال تلك الفترة، كان للهند نفوذ كبير في الدولة بسبب علاقاتها الوثيقة مع مأمون عبدالقيوم. وبعد تولي نشيد السلطة، وعلى الرغم من استمرار الهند في تأييد مبادراته لتعزيز المؤسسات الديمقراطية في الدولة، لكنها لم تكن راضية عن عدد من القرارات، إذ اعتبرت نيودلهي أنه يتقارب بدرجة أوثق مع بكين في السنوات التالية. وفي عام 2012، تمت الإطاحة بمحمد نشيد، الذي لم تكن الهند تشعر براحة تجاهه نتيجة سلوكياته المعلنة، وتم إقصاؤه من السلطة بسبب أمر مثير للجدل بالقبض على قاضٍ رفيع المستوى. ومنذ ذلك الحين، واجهت الدولة أزمة تلو الأخرى حتى نهاية عام 2013، عندما عُقدت انتخابات جديدة. وتولى عبدالله يمين، بدعم كبير من الرئيس السابق مأمون عبدالقيوم، وهو أخوه غير الشقيق، منصب الرئيس. ولكن سرعان ما تفرق الشقيقان بسبب عدد من الاختلافات، التي أفضت إلى إقالة «دنيا» ابنة قيوم من منصبها كوزيرة للخارجية. وتصدرت الخلافات بين قيوم ويمين المشهد خلال الأشهر الأربعة الماضية، عندما انضم قيوم للمعارضة التي دشّنها نشيد. وخلال الشهر الماضي، ألقى "يمين" بالقبض على فارس ابن قيوم، وزجّ به في السجن. ونشيد، الذي يُنسب له الفضل في إجراء مجموعة من الإصلاحات أثناء فترته كرئيس، نجح في توحيد المعارضة المشتتة في جبهة موحدة ضد الحكومة. ويتهم إلى جانب أحزاب المعارضة الأخرى، الإدارة الحالية بمحاولة التغطية على الفساد بحماية قلة من الفاسدين. وعلاوة على ذلك، تتهم عبدالله يمين بأنه مستبد بسبب إجهازه على حرية التعبير أثناء حكمه، ولاسيما أنه اعتقل خصومه، الذي يعتقد أنهم يشكلون خطراً عليه في الانتخابات الرئاسية المقبلة، أو نفاهم جبرياً. ومن المزمع عقد الانتخابات في تلك الدولة الصغيرة العام المقبل، ومن المتوقع أن تكون فرصة نشيد في العودة إلى السلطة جيدة. وربما أن ذلك التهديد الموثوق هو ما دفع "عبدالله يمين" إلى عرقلة المعارضة. وقد نجح نشيد كذلك في استقطاب 10 من الموالين لـ"يمين" في المجلس التشريعي المكون من 85 مقعداً للانشقاق والانضمام إلى صفوف المعارضة التي تهدف إلى خلع الرئيس. وقد اجتذبت الأزمة في الدولة الصغيرة انتباهاً عالمياً، إذ حضّ الأمين العام للأمم المتحدة «أنطونيو جوتيريس» الحكومة على التخلي عن جميع الإجراءات التي تفضي إلى مضايقة وتخويف أعضاء البرلمان والأحزاب السياسية والمجتمع المدني ووسائل الإعلام. وتتسبب التطورات الراهنة في قلق خطير داخل الهند، لأن الصين تتحرك بسرعة لزيادة تأثيرها في المالديف، وأثناء زيارة الرئيس الصيني «شي جينبينج» إلى المالديف، وافق الرئيس يمين على جعل المالديف رابطاً رئيساً في مبادرة «الحزام والطريق» الصينية، وهي جزء لا يتجزأ من «طريق الحرير البحري» لبكين. وثمة تقارير أيضاً عن أن الرئيس يمين قد منح بالفعل 16 جزيرة في موقع استراتيجي إلى الصينيين لتنفيذ عدد من مشاريع الإنشاء التي تخدم تلك الغاية. وتحتل المالديف موقعاً استراتيجياً في المحيط الهندي، لأنها في مدخل قناة تمثل مسار نقل وشحن مهماً. ونيودلهي، التي لا يزال لها تأثير ضخم في الدولة بسبب قربها الجغرافي، تتصور أنها مسؤولة عن الأمن والاستقرار في المحيط الهندي، ولا يروقها أن تعزز الصين نفوذها في المنطقة. والأزمة السياسية الراهنة لا تصب في صالح أية دولة في المنطقة، وبالطبع لا تصب في مصلحة المالديف.