من الواضح أن غضبة الأقصى التي شملت فلسطين وباقي البلاد العربية قد وضعت أطماع اليمين الإسرائيلي في المسجد الأقصى في حالة انكماش بعد تمدد. كما أن الغضبة العربية وضعت نتنياهو زعيم اليمين الإسرائيلي المتغطرس في وضع حرج داخلياً. فقد اضطر يوم الأحد الماضي في اجتماع مجلس الوزراء إلى الدفاع عن نفسه وعن قراره بإزالة البوابات الإلكترونية من مداخل المسجد الأقصى. جاء هذا الدفاع في مواجهة الانتقادات التي انصبت عليه من جانب بعض وزرائه وشركائه في الحكومة وفي حزب «الليكود» ومعسكر اليمين، بل وفي الصحف اليمينية المؤيدة له مثل صحيفة «يسرائيل هيوم»، والتي وصفت قراره بأنه يعبر عن العجز والانبطاح والضعف. وأضيف إلى هذا الهجوم الصحفي الذي أثار ذهول المراقبين نظراً لانحياز الصحيفة الدائم لنتنياهو أن استطلاعاً للرأي أظهر أن غالبية الإسرائيليين اعتبرت قراره رضوخاً للفلسطينيين واستسلاماً للعرب. فقد بلغت نسبة المعترضين على قرار تفكيك البوابات 77% من الجمهور. في مواجهة هذا الغضب حاول نتنياهو احتواء الموقف بإظهار تعاطفه مع المعترضين على قراره، وإبداء انحيازه لمطالب الجمهور المتشدد، فقال.. «إنني أتفهم مشاعر الجماهير». وفي تقديري أن مشاعر نتنياهو الحقيقية متفقة مع أطماع اليمين الإسرائيلي العلماني والديني في المسجد الأقصى، فهو يقود حزب «الليكود»، متزعم المعسكر اليميني الذي تمتلؤه مقاعده في الكنيست وفي مجلس الوزراء برموز للتطرف، ينادي بعضهم بكسر الوضع القائم في المسجد الأقصى، والذي يحظر على غير المسلمين الصلاة في ساحاته، وينادي بعضهم الآخر بالتقسيم الزماني للأقصى بحيث تكون للمسلمين أوقات للصلاة ولليهود أوقات مختلفة. أما دفاع نتنياهو عن نفسه في مجلس الوزراء فيمثل اعتذاراً لجمهور اليمين المتطرف من خلال عبارات غامضة تكشف عن تعرضه لضغوط دولية حركتها الدول العربية المؤثرة. قال نتنياهو: إنني أدرك الواجبات التي يجب أن تتحملها القيادة.. إن من يجلس على مقعد رئيس الوزراء يتحمل المسؤولية عن ضمان أمن إسرائيل، وأنا أتصرف طبقاً لهذا المبدأ، وعلي أن أتخذ قرارات برشد آخذاً في الاعتبار الخريطة بكاملها وجميع التحديات والتهديدات التي نواجهها وليست كلها معروفة للجمهور». إذن اضطر نتنياهو للتخلي عن غطرسته دون إرادة منه ونتيجة لإدراكه تهديدات لا يعلم الجمهور عنها شيئاً، وهو ما ينبهنا إلى ضرورة الحيطة والحذر، فتاريخ سياسات إسرائيل منذ إنشائها يؤكد أن أطماع زعمائها تبقى محفوظة في أدمغتهم عندما يتعرض لضغوط خارجية تمنع تحققها في الواقع. إن الأطماع الإسرائيلية في المسجد الأقصى انكمشت تحت ضغوط الغضبة العربية، ففككت بواباتها الإلكترونية، لكنها لم تختف من أدمغة أصحابها. وتبسيطاً للشرح فإنني أشبه هذه الأطماع بدواسة فرامل السيارة التي تنكمش جبرياً إذا ضغطنا عليها بأقدامنا فتتوقف السيارة، وإذا رفعنا أقدامنا وأزلنا عنها الضغط تمددت الدواسة مجدداً وانطلقت السيارة. ما أريد قوله ونحن نحتفي بغضبة الأقصى التي أزاحت الخطر عنه أن المخاطر عليه ما زالت كامنة تتحين فرصة جديدة وظرفاً مواتياً. إن تحرير الأقصى بموجب اتفاقية سلام شاملة وملزمة لإسرائيل في إطار المبادرة العربية ومعادلة الأرض مقابل السلام، هو الضمانة الأقوى لحماية مقدساتنا من الأطماع الإسرائيلية التي تنكمش ولا تختفي ولا تتلاشي.