في عام 1099 احتل الصليبيون (الفرنجة) مدينة القدس وأخذوها من المسلمين السلاجقة. وجاء الاحتلال تلبية لدعوة أطلقها البابا أوربان الثاني من دير كليمونت في جنوب فرنسا. وبعد أن احتلوا أيضاً الشواطئ الشرقية للبحر المتوسط، أعلنوا أن الرب انتصر للمسيحية وللمسيحيين. (مع أن المسيحيين الشرقيين كانوا هم أول ضحاياهم بشراً وكنائس). وفي عام 1967 احتل الصهاينة (الإسرائيليون) مدينة القدس من المسلمين العرب. وجاء الاحتلال تلبية لدعوة أطلقتها حكومة إسرائيل والحركة الصهيونية المسيحيانية في الولايات المتحدة معاً. وبعد أن احتل الإسرائيليون الضفة الغربية ومرتفعات الجولان وصحراء سيناء، أعلنوا «أن الرب انتصر لليهود»! وأنه «أوفى بعهده لهم في إقامة صهيون تمهيداً لظهور المسيح المنتظر». والسؤال الآن هو متى ينتصر المسلمون ويحررون القدس من جديد؟ عندما دخل الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، مدينة القدس للمرة الأولى بعد تحريرها من البيزنطيين، امتنع عن الصلاة في كنيسة القيامة حتى لا يتخذ المسلمون من مكان صلاته مسجداً فيما بعد، وأعطى البطريرك صفرونيوس «العهدة» التي تحفظ للمسيحيين في المدينة مقدساتهم الدينية وتضعها تحت إشرافهم المباشر. ولكن عندما دخل الصليبيون (الفرنجة) المدينة، سفكوا دماء أهلها، حتى إن المؤرخين الصليبيين أنفسهم وصفوا المشهد في شوارع المدينة العتيقة «بأن الدماء وصلت إلى ركاب الخيل». وعندما استرجع صلاح الدين الأيوبي المدينة المقدسة، عيّن يهودياً وزيراً للمالية في حكومته، وأرسل طبيبه الخاص لمعالجة الملك الصليبي ريتشارد قلب الأسد (الإنجليزي). ولكن عندما احتلت بريطانيا المدينة بعد الحرب العالمية الثانية بقيادة الجنرال أللنبي، أطلق الجنرال مقولته المشهورة: «الآن انتهت الحروب الصليبية».. وعندما دخل الجنرال غورو (الفرنسي) دمشق بعد ذلك، وقف أمام ضريح صلاح الدين في دمشق وردد عبارته المشهورة أيضاً: «ها قد عدنا يا صلاح الدين». وفي يونيو عام 1967 دخل الجنرال موشي دايان (وزير الدفاع الإسرائيلي السابق) المدينة المقدسة المحتلة يرافقه القس الإنجيلي الأميركي بات روبرتسون. الأول (دايان)، اعتبر دخوله المدينة المقدسة، استعداداً للمرحلة الثالثة، بتهويد المدينة وبناء الهيكل تمهيداً لظهور المسيح المنتظر (المرحلة الأولى كانت بإقامة إسرائيل، والمرحلة الثانية باحتلال القدس). أما الثاني (القس روبترسون)، فاعتبر دخوله استعداداً لـ«العودة» الثانية للمسيح الذي تؤمن طائفة المسيحيانية الصهيونية الأميركية بأنه لن يعود إلا إلى صهيون.. وتحديداً إلى المعبد اليهودي في القدس كما حدث في المرة الأولى. وتتسابق في الوقت الحاضر حركتان في اتجاه القدس. حركة إسلامية لتحرير المدينة، ولكن حتى الآن لا تتجاوز هذه الحركة حدود الكلمات الحماسية والعاطفية التي لا تسمن ولا تغني من جوع. ومنذ أن أقرت قمة مؤتمر التعاون الإسلامي في الطائف في عام 1978 وضع استراتيجية إسلامية لتحرير القدس، لم توضع هذه الاستراتيجية، وبالتالي لم تحرر القدس، بل لم تجر أي محاولة لتحريرها. أما الثانية فهي حركتان، لا حركة واحدة، حركة يهودية وحركة مسيحيانية- صهيونية معاً. وتتكامل جهود الحركتين في العمل على تهويد المدينة بشراً وحجراً، ومن ثم على فرض أمر واقع في «جبل الهيكل» حيث يرتفع المسجد الأقصى الذي تعتبره الحركتان معاً، المكان الوحيد لإقامة المعبد الذي سيظهر فيه المسيح الحقيقي وفق الإيمان اليهودي، أو الذي سيعود إليه المسيحي- المسيحي (وفق الإيمان المسيحي- الصهيوني)! تختلف الحركتان الصهيونيتان اليهودية والمسيحيانية حول طبيعة المسيح المنتظر، هل هو العائد أم أنه الأول والأساسي، ولكنهما تتفقان حول كل التفاصيل الأخرى: إقامة صهيون، تهويد القدس، تدمير المسجد الأقصى، وبناء الهيكل اليهودي. أما دول العالم الإسلامي، فإنها على العكس من ذلك، تتفق حول مبدأ تحرير القدس، ولكنها تختلف حول كل التفاصيل الأخرى: متى، وكيف يتم التحرير؟ ويبدو أن النصر مؤجل حتى تزول هذه الاختلافات (والخلافات). وبانتظار ذلك، لا يجد المقدسيون، المسلمون والمسيحيون معاً، الرازحون تحت نير الاحتلال الصهيوني والمهددون بالتشريد من مدينتهم المقدسة، بدّاً من الصمود.. والمقاومة حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.