تواجه تجارة الغاز الطبيعي تحديات حقيقية بعد أن سمحت الإدارة الأميركية الجديدة مؤخراً بزيادة إنتاج الغاز الصخري، بهدف الولوج لسوق الغاز الآسيوي المزدهر، والذي يعتبر واحداً من أكبر أسواق الغاز الطبيعي في العالم، إلى جانب السوق الأوروبية، مما سيترتب عليه تداعيات كبيرة على أسعار الغاز في الأسواق الدولية. كما هو معروف بدأت الولايات المتحدة إنتاج الغاز الصخري في العقد الماضي وتصديره إلى أوروبا الغربية، ما أدى إلى تدهور الأسعار من 11 دولاراً للبرميل إلى ثلاثة دولارات فقط، مما شكل خسائر كبيرة للدول المصدرة، وبالأخص قطر وإيران وروسيا والجزائر، وهي الدول المصدرة الرئيسية للغاز الطبيعي في العالم. ويعتبر التوجه الأميركي الجديد نحو الأسواق الآسيوية، وبالأخص اليابانية والكورية الجنوبية والهندية، والتي تعتمد عليها كل من قطر وإيران، تغيراً جذرياً لما يمكن أن تكون عليه مصادر إمدادات هذه الأسواق من جهة ومستويات الأسعار من جهة أخرى. صحيح أن الإمدادات التقليدية للأسواق الآسيوية تأتي ضمن عقود متوسطة وطويلة الآجل، إلا أن وجود بديل بأسعار تنافسية أقل من تلك العقود سيقود إلى تدهور الأسعار في الأسواق الفورية، وبالتالي التأثير في العقود الآجلة ذاتها، مما سيترتب عليه انخفاض حاد في عائدات البلدان المصدرة للغاز. وحقيقة، فإن مدى هذه التأثيرات سيتفاوت وفقاً للوسائل المتبعة في نقل الغاز، إذ من المعروف أن تكلفة النقل تلعب دوراً رئيسياً في تكلفة وصول الغاز للمستهلك النهائي، ففي حالتي قطر وإيران ستكون التأثيرات كبيرة، على اعتبار أنهما يعتمدان على تسييل الغاز ونقله بناقلات عملاقة إلى أسواق الاستهلاك، في حين ستتأثر روسيا بصورة أقل لاعتمادها على تصدير الغاز من خلال أنابيب، وبالأخص إلى أسواقها الرئيسية في أوروبا. في نفس الوقت، هناك تحديات لتجارة الغاز الطبيعي تأتي من بلدان أخرى اقتصر إنتاجها حتى هذه اللحظة على إنتاج الغاز المصاحب للنفط بصورة أساسية، علماً أن أراضيها تحتوي على كميات كبيرة من الغاز الجاف، كالمملكة العربية السعودية، حيث أعلنت «أرامكو» مؤخراً عن توجهات جديدة ترمي إلى زيادة إنتاج الغاز، حيث قال الرئيس التنفيذي لشركة «أرامكو» أمين الناصر إن الشركة ستواصل مضاعفة طاقتها الإنتاجية من الغاز الطبيعي في السنوات العشر المقبلة لتصل إلى 23 مليار قدم مكعبة يومياً، كما أنها تنوي توسعة منظومة نقل الغاز عبر الأنابيب، وهو ما يتيح إمكانيات كبيرة للتأسيس لشبكة خليجية للغاز الطبيعي، خصوصاً أن إمارة أبوظبي تملك بدورها إمكانيات واعدة لتطوير إنتاج الغاز، وهو ما سيشكل دعماً كبيراً للاكتفاء الذاتي للتنمية الصناعية. في هذا الجانب أيضاً من المتوقع أن تعمد كل من الصين والهند وبلدان أخرى إلى البدء في إنتاج الغاز الصخري بعد تدني تكاليف الإنتاج بصورة ملحوظة في السنوات الماضية، حيث تتوفر في هذه البلدان احتياطيات كبيرة من هذا الغاز. من ذلك يتضح أن خريطة إنتاج وتجارة الغاز الطبيعي ستتغير جذرياً في السنوات العشر المقبلة بدخول منتجين رئيسيين آخرين إلى جانب المنتجين الحاليين، مما سيزيد من المنافسة، والتي ستؤثر بدورها في مستويات الأسعار والتي من المتوقع أن تنخفض في الأعوام المقبلة، علماً أن الأفضلية والكفة ستميل إلى جانب مصدري الغاز بالأنابيب، وهو ما يفسر التكالب على بناء خطوط جديدة لنقل الغاز في مختلف مناطق العالم. والمحصلة النهائية لهذه التوجهات ستكون إيجابية، إذ ستخلق فائضاً في الأسواق، وستقلل من عملية الاحتكار الحالية لتجارة الغاز، والتي تتمتع بها دول محدودة جداً، كقطر والتي ستتأثر عائداتها المالية من الغاز، مما سيؤدي إلى تراجع دورها السياسي وتراجع قدراتها على تمويل عملياتها الخارجية، وبالأخص دعم المنظمات الإرهابية والمتطرفة، كـ«الإخوان المسلمين» و«حزب الله» و«النصرة» و«الحشد الشعبي»، وكذلك تمويلها لوسائل الإعلام المعادية لدول مجلس التعاون الخليجي، كالجزيرة، إضافة إلى تأثر اقتصادها المحلي، مما سينعكس على ثقلها ودورها الإقليمي ويؤدي إلى نتائج جيو - سياسية مهمة للغاية.