عندما كان مرشحاً لرئاسة الجمهورية، كان إيمانويل ماكرون يُتهم بقلة الخبرة في مجال الشؤون الدولية والدفاع، وكان يفترض أن تصبح هذه هي نقطة ضعفه الأساسية. ورأى البعض أن كونه شاباً من ناحية السن فهذا أمر لا يخدمه من الأساس. لكن بمجرد استقراره في قصر الأليزيه، وارتدائه البدلة الرئاسية، اتسم أداء ماكرون بقدر لافت من الحنكة والتوفيق - وحتى الآن النجاح- في أمور الحكم. وبحكم مواجهته في الشوط الثاني من الانتخابات الرئاسية مرشحةَ الجبهة الوطنية مارين لوبن، فقد كان انتخاب ماكرون محل ترحيب واسع في كل عواصم المعمورة، التي تنفست أخيراً الصعداء واطمأنت إلى أنها لن ترى اليمين المتطرف في سدة الحكم. كما زاد أيضاً كونه حديث عهد بالسياسة وزعيماً شاباً جديداً من جاذبيته لدى وسائل الإعلام في العالم أجمع. ولذا فقد سرق المبتسم المتفائل، ماكرون، الأضواء بشكل واضح. وخطف النجومية من رؤساء الدول والحكومات الآخرين، سواء في قمة مجموعة السبع، أم قمة «الناتو» في شهر مايو الماضي. وقد أتاح قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الانسحاب من اتفاقية باريس لمكافحة الاحترار المناخي، فرصة لماكرون لتوجيه رد مباشر -بالفرنسية والإنجليزية- لقي اهتماماً واسعاً في العالم كله، وجعله في عيون الشعوب يلعب دور الفارس الأبيض في معركة حماية البيئة والمناخ. وقد أثبت ماكرون فعلاً أنه يستطيع استغلال الفرص بشكل جيد للظهور في بؤرة الضوء، ومن موقع الإبهار والجاذبية، على المسرح الدولي. فخلال معرضٍ نُظم في قصر فرساي بمناسبة الذكرى الـ300 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين فرنسا وروسيا، استقبل في باريس الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وفي الذكرى المئوية لدخول الولايات المتحدة الحرب العالمية الأولى دعا ماكرون أيضاً دونالد ترامب، لحضور عرض احتفالات 14 يوليو (الذي لقي تغطية إعلامية لم يحظ بمثلها من قبل على الصعيد الدولي). وفي كلتا الحالتين، تحدث من موقع الندّية، مظهراً في الوقت نفسه قدرته على التعامل بانفتاح وحزم. وهو في سياساته الخارجية يقول عادة إنه يتبنى تقاليد الخط الديغولي الميتراني، وهي مرجعية جذابة؛ لارتباطها بأكثر رئيسين فرنسيين تركا بصماتهما بقوة على صعيد عالمي. ومن المعروف أن ديغول وميتران قد اتبعا دبلوماسية قوية قائمة على التحالف، من غير تبعية، تجاه الولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه دخلا أيضاً في حوار دون عُقد مع موسكو. وتظهر الآن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قدراً من الثقة والاحترام تجاه ماكرون لم تظهر مثله مع فرانسوا أولاند أو نيكولا ساركوزي. ويسعى ماكرون لإعادة إطلاق الثنائي الفرنسي الألماني، وإعطائه زخماً وألقاً كذلك الذي كان يكتسيه في زمن الجنرال ديغول- كونراد إديناور، وفرانسوا ميتران- هيلموت كول. وأخيراً، دعا ماكرون إلى باريس رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في الذكرى الـ75 لتهجير «فيل داهيف» (حيث نظمت الشرطة الفرنسية حملة تهجير لـ13000 يهودي فرنسي أرسلوا إلى معسكرات الإبادة النازية). ورغم معارضة نتنياهو المعلنة لاتفاق السلام الذي تدعو إليه فرنسا، فإن ذلك لم يشكل عائقاً يحول دون دعوته إلى الأراضي الفرنسية، ومعنى هذا أنه علينا الحديث حتى مع القادة الذين نختلف معهم. لكن دعوته في هذه المناسبة تطرح مشكلة، لأنها تعني إعطاء دور لرئيس الوزراء الإسرائيلي في شأن يخص حماية اليهود الفرنسيين. ومع أن ماكرون يدين أعمال الاستيطان الإسرائيلية فإنه لا يبدي رغبة كبيرة في المواجهة مع نتنياهو، وفي هذه النقطة تحديداً ربما يبتعد جزئياً عن الخط السياسي لكل من ديغول وميتران. وقد شكلت استقالة قائد أركان الجيش، احتجاجاً على تخفيض الميزانية والتوبيخ العلني الذي وجهه له رئيس الجمهورية خلال خطاب ألقاه في وزارة الدفاع، صبيحة 14 يوليو، موقفاً إشكالياً بالنسبة للرئيس. ويمكنه طبعاً الدفع بأنه قد أراد تأكيد سلطة المدنيين على العسكريين، لكن هؤلاء الأخيرين يمكن أن يستشعروا هم أيضاً أنه قد أسيئت معاملتهم دون داعٍ من طرف رئيس الجمهورية. وأزمة الثقة التي قد تترتب على ذلك ربما تصبح صعبة، وقد تترك آثاراً وندوباً عميقة. لكن في النهاية، سيتوقف الوزن الدبلوماسي لفرنسا على نجاح برنامج ماكرون للإصلاح الاقتصادي.