لا أستطيع أن أفهم حتى الآن، ويبدو أنني لن أفهم قريباً، ما معنى أن تطلب قطر التفاوض المباشر مع الدول العربية الأربع. والسؤال ليس عما يمكن التفاوض عليه. بمعنى. على ماذا يكون التفاوض؟ إذ لا يوجد ما يمكن التفاوض بشأنه. يعني لا يوجد خلاف في وجهات نظر يُراد تقريبها. ولا توجد وسائل مختلفة للوصول إلى غاية واحدة. فالتفاوض يكون دائماً أو غالباً على وسائل الوصول إلى الغاية الواحدة. الهدف هو الوصول إلى المرمى والتسجيل. والتفاوض يكون حول كيفية ذلك، حول الوسيلة. أو يكون التفاوض حول وجهات نظر أو آراء متباينة يراد توحيدها أو حتى تقريبها. والتفاوض أيضاً يكون حول تفاصيل أو سطور مكتوبة تحت عنوان واحد. أو يكون حول موقف واحد يبدو فيه أحد أطراف التفاوض متشدداً ويبدو الآخر ليناً. وكل ذلك لا وجود له في أزمة قطر؛ لأن الغايات متضادة لا الوسائل. ولأن العناوين متناقضة. فهناك طرف يدعم الإرهاب ويموله. وطرف يحاربه ويواجهه. وهناك طرف يريد الدمار. وطرف يريد الإعمار. طرف يريد إشعال الحرائق وآخر يريد إطفاءها. طرف يدعم ويمول الموت. وطرف يدعم ويمول الحياة. الخطان متوازيان لا يلتقيان مهما امتدا. والتفاوض يكون بين خطين يمكن أن يتقاطعا في نقطة واحدة. الخلاصة أنه لا يوجد ما يمكن التفاوض عليه بين قطر والدول العربية الأربع. وليس سؤالنا عن أي- أو حول أي- شيء يتفاوضون. لكن سؤالنا هو: هل أن هناك ما يمكن التفاوض عليه أو هب أن الدول الأربع وافقت على المستحيل، وهو التفاوض مع قطر. فهل تملك قطر إرادتها لتتفاوض؟ هل تملك قرارها والإقرار بما يمكن الاتفاق عليه في المفاوضات؟ الماضي القريب يقول إن مفاوضات وحوارات قد جرت، واتفاقيات وقعت ولم تنفذ قطر شيئاً. قطر لم تنفذ. ولم تمتنع عن التنفيذ عناداً أو مكابرة أو لعدم اقتناعها. لكنها لم تنفذ لأن قرار قطر وإرادتها مخطوفان. ومخطوف القرار والإرادة ليس بمقدوره أن يتفاوض أو ينفذ اتفاقيات. ربما مسموح له فقط أن يوقع ليبدو حراً، لكن ليس مسموحاً له أن ينفذ ما وقع عليه. قطر مسموح لها بأن تمتلك نعم أو تمتلك لا. لكن خاطف القرار والإرادة هو الذي يحدد لماذا نعم ولماذا لا. وهنا لا بد من التعامل مع قطر كضحية أكثر من التعامل معها كجانٍ. الشعب القطري ليس جانياً ولكنه مجني عليه. ليس قاتلاً ولكنه قتيل. وشعب قطر ضحية فريقه الحاكم. وفريقه الحاكم ضحية من احتلوا قراره وإرادته وخطفوا سلطته وقدرته على الفعل. وهب أن الدول الأربع وافقت على المستحيل وهو التفاوض. فمن العبث والرفث والفسوق والعصيان أن يكون هناك تفاوض مع المخطوف. فهذه بلاهة ما بعدها بلاهة. لأن التفاوض ينبغي أن يكون مع الخاطف لاسترداد المخطوف. التفاوض ينبغي أن يكون مع خاطفي الطائرة لا مع الرهائن. من غير المعقول أن نتفاوض مع الرهائن من أجل تحريرهم وإنقاذهم. فهذا تفاوض عبثي أبله لا معنى له. طائرة قطر مخطوفة وحكومة وشعب قطر رهائن، فهل من المنطقي أن تتفاوض الدول الأربع مع الرهائن المخطوفين؟ هناك ثلاثة إرهابيين خطفوا طائرة حكومة وشعب قطر، وإذا كان لا بد من التفاوض فلا بد أن يكون مع إيران وتركيا و«الإخوان» لتحرير الرهائن، وحتى هذا التفاوض إذا تم فإنه سيكون عبثياً أيضاً. لأن الرهائن مخطوفون ولا يشعرون أو يشعرون ولا يعترفون أو يعترفون ويكابرون. الرهائن أسرى ويظنون أنهم أحرار طلقاء. الرهائن لا يعترفون بأن الإرهابيين الثلاثة خاطفون، ولكنهم يرون أنهم حماة وحراس. الرهائن يرفضون التحرر من الخاطفين. يشبهون امرأة خطفها عشيقها ويريد أهلها إعادتها فترفض العودة، رغم أن عشيقها محتال ونصاب وإرهابي، ويريد أن يذلها ويذل أهلها لكنها كما يقول المصريون في أمثالهم (سارقاها السكين).. أو هي كالطير يرقص مذبوحاً من الألم. التفاوض عبثي لأن الخاطف لا يريد تحرير الرهائن، والرهائن لا يريدون التحرر. وقطر ربما استدرجت أو دخلت الفخ أو المصيدة بإرادتها، لكنها لا تملك إرادة أو قرار الخروج. ومرة أخرى أقول المثل العامي المصري (دخول الحمام مش زي خروجه). وإذا كانت هناك إيجابية واحدة لأزمة قطر، فهي انكشاف أمر «التنظيم الدولي للإخوان» أو التنظيم الدولي الماسوني، الذي صارت قطر ترساً صغيراً في ماكينته العملاقة أو حبة قمح أو فول في بطن رحاه. وكل مطحون يفقد اسمه وصفاته وخواصه عندما يصبح مسحوقاً داخل الرحى. فالقمح يصبح دقيقاً وهكذا. والقصب يصبح سكراً عندما يدخل المعصرة أو المطحنة. والانكشاف الذي أعنيه هو أن التنظيم الدولي للإخوان أو جماعة «الإخوان» هي عدة نسخ من كتاب واحد. لذلك تحالفت إيران وتركيا وقطر. لأن الدول الثلاث محكومة بنسختين من جماعة «الإخوان» أو نسختين من كتاب الماسون. النسخة السنية والنسخة الشيعية. لا فرق بين مرشد هنا ومرشد هناك. وبين مكتب إرشاد هنا ومكتب إرشاد هناك. ولكن العرب قوم لا يفقهون. لا يريدون أن يعوا أن «الإخوان» جسد سياسي ماسوني إرهابي دموي يرتدي ثياب وعباءات دينية. مرة عباءة سنية ومرة عباءة شيعية، بل عباءة يهودية. «الإخوان» هم صهاينة العرب والمسلمين. وإذا أردت أن تعرف ذلك، ولا أظنك تريد، فانظر إلى الحبل السري بين إيران وإسرائيل وبين تركيا وإسرائيل وبين قطر وإسرائيل لتعي أن هذا الحبل السري هو بين «الإخوان» بكل نسخهم، وإسرائيل التي هي أيضاً كيان ماسوني أو كيان إخواني يهودي. المشكلة لدى الشعوب العربية هي أن الدين هو حرف جرها إلى الهاوية. فالاحتيال باسم الدين ودعم الإرهاب باسم الدين وحتى الرذيلة يتم ارتكابها باسم الدين مثل نكاح الجهاد والحب في الله الذي هو حب في الشيطان. المشكلة هي أن العرب يصدقون اللافتات الدينية على أبواب الحانات والمراقص وأوكار الرذيلة.. يصدقون أن القاتل مؤمن والقتيل كافر لمجرد أن القاتل قتل باسم الله وبهتاف الله أكبر. يصدقون أن الموت إيمان والحياة كفر، وأن الخراب والهدم إيمان والإعمار والبناء كفر، وأن من يبني قبراً مؤمن، ومن يبني قصراً كافر، وأن الذي يمول الموت والإرهاب يقرض الله قرضاً حسناً، والذي يمول الحياة والسلام يقرض الشيطان.. وهذه اللعبة التي تلعبها حروف الجر الثلاثة.. إيران وتركيا والإخوان على الجار المجرور بالبهتان والزور!