الفيلم الذي عرضته قناة سكاي نيوز عربية مساء الأربعاء الماضي «قطر والطريق إلى منهاتن» كان صادماً، وكاشفاً أن القطريين على أعلى مستوى حكومي كانوا متورطين في دعم الإرهاب وفي التستر على المخططين وفي دعمهم مالياً، إن قصة وزير الداخلية القطري السابق عبدالله بن خالد آل ثاني هي الأكثر استفزازاً، ولكنها لم تكن سراً. في منتصف 2003، كشفت وزارة الداخلية السعودية لإعلاميين سعوديين أن خالد شيخ محمد كان يقيم في قطر في مزرعة عبدالله بن خالد، ولكن كانت هناك توصية بعدم نشر ذلك، بعد أسبوع تقريباً تناولت الصحف الأميركية هذه القصة. بعد العام 2008 بدا أن الإمارات كانت هي الأكثر حذراً من مساعي قطر للتأثير على أبنائها، والأكثر تشككاً والأسرع للوقاية، في 2011 خطت الإمارات خطوتها الثانية، بتصعيد الهجوم على وكر الإرهابيين ومرضعتهم. في العام 2008، قال زعيم خليجي لأمير قطر السابق، وهما في الباص في طريقهما لحضور اجتماع: «إنني أحياناً أجدني مضطراً للجلوس مع أبنائي وهم يشاهدون قناة الجزيرة لأحميهم من سمومها». القطريون لم يكونوا يعملون وحدهم، فقد كان لهم حلفاء كبار يغضون الطرف عن قذاراتهم، قوى عظمى بما فيها الإدارة الأميركية كانت حليفاً لهم في كل ما جرى في ليبيا ومصر، وغيرهما أثناء «الربيع العربي». دور الأتراك في صعود «داعش» ودعمها ليس سراً، ولكن الجميع فضل الصمت، مستبدلين بالحقائق مداعبة الأوهام فلم نكن نرى في الصورة إلا إيران وراء كل ذلك، ما أسرع ما كشفت تركيا عن نواياها الحقيقة في الأزمة الخليجية. لنتذكر أن ما فعله القطريون في سوريا -على الأقل في بدايات الاضطرابات- لم يكن إلا بمباركة من أشقائهم. كلنا نتذكر أن القنوات فتحت لجمع التبرعات للثوار السوريين، نتذكر جيداً أن مفتين وشيوخاً دعوا على القنوات الرسمية إلى الجهاد ضد الحكم النصيري. فلنشعر قليلاً بالخجل من أنفسنا. القرضاوي كما جاء في فيلم الطريق إلى منهاتن وكما جاء في شهادة محمود الجيدة في اعترافاته التي بثتها القنوات الإماراتية يوم الجمعة الماضية كان راعياً روحياً للقتل والإفساد في الأرض، وكان إلى أقل من عام واحد من كبار علماء المسلمين ويحظى بالاحترام والتقدير! القطريون يستثمرون في كل ما يخدم أجندتهم، القبائل الغاضبة، أبناء القبائل الذين يشعرون بالتهميش أو الأثرة، أبناء الطوائف الثائرين، المناطق التي يمكنهم العبث بأبنائها، وشراء ذممهم، الناشطين السياسيين، والناشطين الاجتماعيين، الشيوخ والفقهاء الذين يغدقون عليهم الأموال، مقابل برامج ومحاضرات لا تعدو أن تكون تكراراً وبمضامين سطحية، تعمق التفاهة. حتى من يقدمون أنفسهم على أنهم علمانيون أو ليبراليون ولا يحملون الود ل«الإخوان المسلمين» يدعمهم القطريون، فهم يستثمرون في المثقفين والكتاب الذين تختزل كتاباتهم وإنتاجهم تطلعات وأحلام من يمثلونهم من شرائح أو فئات ترى في نفسها الأحق بالعلو ممن عداها. القطريون يستثمرون في مجالات يتقاطع فيها معهم ناشطون مخلصون وحقوقيون يمكن استغلال سذاجتهم، أو عقائديتهم وتعصبهم لميولهم بعيداً عن المصالح الحقيقية للأوطان. في العام 1996، واجهت الأجهزة الأمنية السعودية لغزاً، عن سبب تكرار وجود جوازات قطرية يحملها ليبيون وجزائريون ومصريون من الجماعة الإسلامية المقاتلة، تسللوا إلى السعودية لتنفيذ أعمال إرهابية. بعد فيلم الطريق إلى منهاتن أمكننا حل لغز تلك الجوازات، وأنها كانت تمنح لهم بإشراف أعلى سلطة أمنية قطرية. الأهم هو ألا نعود إلى الوراء، أن نبقي الوعي متيقظاً، وأن نعلم أن قطر ليست هي منبع كل شرورنا وكل أخطائنا، لقد اقترفنا منذ البدء الخطأ الأكبر حين أسلمنا أبناءنا لأفغانستان والبوسنة والشيشان، وعن تورط أبنائنا في العراق بعد صدام حسين. وغضضنا الطرف عن ثقافة التطرف والتكفير عقوداً. ------------ منصور النقيدان* * كاتب سعودي